أسئلة وأفكار برسم وزارة التربية

إيناس ونوس:

في كل عام مثل هذه الأيام يكون الحديث حول نتائج شهادتي التعليم الأساسي والثانوية بجميع فروعهما، وحول نسب النجاح ونسب الحصول على العلامات التامة من عدمها هو الحدث الأبرز في كل البيوت، وفي هذا العام تصدّر بند آخر الحديث فأخذ المساحة الأكبر من التداول ألا وهي نسبة الأخطاء التي برزت في عمليتي التصحيح ومنتجة النتائج، فقد كثر التلاميذ الذين اعترضوا سواء في مديريات التربية أو على مواقع التواصل على حصولهم على علامة الصفر في مادة ما مقابل حصولهم على علامات تامة أو أشبه بالتامة في باقي المواد، وهو أمر غير منطقي أبداً، ما أثّر على مصداقية عمل وزارة التربية في هذه النقطة بالذات.

في بعض الحالات البسيطة نسبياً يحدث أن يأخذ التلميذ علامة الصفر لتغيّبه عن الامتحان بمادة ما لسبب قاهر حكماً كوفاة أحد الأقارب المقربين جداً جداً، أو لمرض أدى لدخول مشفى، أما غير هاتين الحالتين فلا يجرؤ أي تلميذ متميّز على التغيّب عن الامتحان كي لا يخسر تعب عام كامل وربما أعوام سابقة مقابل امتحان مدّته ساعتان أو ثلاث ساعات، فهل من العدل أن يُحسب النجاح أو الرسوب في المادة فقط بناء على الامتحان النهائي؟؟؟

هذا السؤال لا يزال برسم وزارة التربية للبحث في تحديد معيار النجاح والرسوب، وقد قُدّمت ولا تزال عدّة أفكار وآراء تقوم على اعتماد تقييم جهود التلميذ خلال العام الدراسي كاملاً مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار جهد ونتائج السنوات السابقة للشهادة إضافة إلى نتيجة الامتحان النهائي، بحيث يكون لكل منها نسبة من النتيجة النهائية وعليها تُحدّد علامة النجاح أو الرسوب في هذه المادة أو تلك، ليتمّ اعتماد الآلية ذاتها في النتيجة النهائية في جميع المواد، والتي تُحدّد مستوى التلميذ الحقيقي والمنطقي، لكن للأسف، حتى اليوم لم تعتمد الوزارة هذه الآلية التي أراها منصفة للجميع، بل نراها تعتمد معايير خاصة بها ربما تقوم على حساب نسبة استيعاب المدارس في السنوات اللاحقة فقط، أو ربما لها معاييرها الأخرى التي تراها أكثر منطقية ممّا يطرحه العديد من العاملين والمهتمين بالشأن التربوي.

هذه المعاير التي لا تتوافق مع إمكانيات غالبية التلاميذ الذهنية وقدراتهم الدراسية، فليس كل من حصل على معدّل الثانوية العامة يمكنه التفوّق أو التميّز في الدراسة ومن ثم الحصول على الشهادة الثانوية بدرجة جيد جداً أو تفوّق، والأمر ذاته ينطبق على التعليم الجامعي، فهل كل من حصل على العلامات التامة في الثانوية العامة سيكون طبيباً ناجحاً بالضرورة؟! وهل من لم يتمكّن من الحصول على معدّل علامات يسمح له بالدخول إلى الجامعة هو حكماً إنسان فاشل!؟

مع التطور التقني والتكنولوجي الذي لم يعد بعيداً عن تلامذتنا وأبنائنا، لم يعد تقييم النجاح أو الفشل على أساس ما يتمُّ الحصول عليه من علامات في فترة الامتحانات فقط معياراً صحيحاً، فالظروف المحيطة بالتلميذ تلعب دوراً، غير أن الدور الأهم والأكثر إسهاماً هو رغبة التلميذ ذاته في هذا الفرع أو ذاك، وقدراته الذهنية وما يمتلكه من إمكانيات معرفية وعلمية هي التي من المفترض أنها تؤسّس لأن يخوض هذا المجال أو ذاك، وقد تم اعتماد التعليم المهني بكل فروعه والذي يُكلّف ميزانية باهظة جداً انطلاقاً من هذه النقطة، من أجل خلق بنية تحتية تساهم في نمو الاقتصاد الوطني وتكون عائداتها أكثر بكثير من تكلفتها، لكن الواقع الحالي ومعايير الوزارة تقوم على العكس تماماً، حين تُحدّد علامات القبول في التعليم المهني بحيث تكون دوماً أقلُّ من مثيلتها الخاصة بالتعليم العام، ما أثّر في النظرة المجتمعية السلبية لطلاب التعليم المهني على أنهم أقل مستوىً تعليمياً أو أقلُّ ذكاء واجتهاداً من أقرانهم الذين يدرسون التعليم العام، غير مُدركة بأن الوعي لهذه الأمور سواء عند الأهل الذين يعرفون إمكانيات أبنائهم أو عند الطلاب أنفسهم أخذ ينحو منحىً مختلف، إذ بدأ يعتمد البعض معاييره الخاصة، منهم من لا يرغب بدراسة مواد التعليم العام فيذهبون لدراسة أحد فروع التعليم المهني لأنهم يرون أنفسهم أكثر قدرة على التميّز به وتحقيق ما يصبون له مستقبلاً غير مبالين بمعدلاتهم التي تسمح لهم بدراسة التعليم العام، ومنهم من يسعى لامتلاك المعرفة بمهنة مُحدّدة تساعده على إيجاد فرصة عمل ومن ثم تأمين مستقبله ومستقبل أسرته في ظلّ الوضع المعيشي الراهن.

أما آن الأوان لأن تتيقّظ الوزارة لهذا الأمر؟

وما فائدة وجود مديرية كاملة بكل كوادرها ومشاريعها واتفاقياتها كمديرية البحث والتخطيط إن لم يتم العمل على استدراك الأخطاء السابقة ومجاراة تطور الحياة ومتطلباتها؟

لا تزال استفساراتنا وأسئلتنا برسم الوزارة وأصحاب القرار القائمين على العملية التربوية علّنا نصل إلى نتيجة تنصف الجميع فترضيهم، وتسهم بالتأكيد في تطور العملية التعليمية في البلاد في وقت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى كوادر مُتخصّصة عن قناعة ورغبة وليس من مبدأ الفرض وسياسات القبول الاستيعاب المُتّبعة حالياً.

العدد 1104 - 24/4/2024