الحرب قرار سياسي

د. أحمد ديركي:

تعمّ التاريخً أحداث عسكرية كثيرة، بمعنى الحروب. فما من مرحلة تاريخية إلا والحرب تمثل جزءاً لا يتجزأ منها. انطلاقاً من هذه القراءة التاريخية اعتبر العديد من المفكرين أن الحروب، بكل أشكالها، وبكونها جزءاً من النزاعات، تمثل جزءاً من الطبيعة البشرية. فاصبحت الحروب في فكرهم مسألة طبيعية، ولأن البشر يعيشون في مجتمعات، فهذا يعني أنه ما من مجتمع بشري إلا ويعرف الحروب. ومع تطور المجتمعات البشرية تطورت الحروب لتأخذ شكلاً مناسباً لتطور المجتمعات.

من تأتي مقاربات كل الحروب بكونها مسألة طبيعية من طبيعة البشر، تكون الحلول معتمدة على (حل النزاعات). والحل يقوم على خلفية عدم القضاء عليها، بل إخمادها والوصول إلى ما يعرف بـ(السلام الطويل الأمد).

وكل هذه القراءات تفصل ما بين السياسة والحرب، وكأن الحرب قائمة بذاتها والسياسة عالم آخر قائم بذاته. فعند الحديث عن السياسة لا تذكر الحروب، وعند الحديث عن الحروب لا تذكر السياسة! لكن في واقع الأمر الحرب تشنّ بواسطة جيش، والجيش مؤسسة من مؤسسات النظام السياسي القائم، ويخضع بشكل مباشر لأوامر النظام السياسي. فكيف يمكن الفصل بينهما؟

يجري الفصل بشكل توهّمي لا واقعي، لإقناع من هم خاضعون للنظام السياسي بأنه (لا عنفي)، بل (حمائي). وكان (كارل فون كلاوزفيتز) أول من أشار إلى العلاقة ما بين الحرب والسياسة. فوفقاً له ما من حرب بلا هدف سياسي.

في كتابه (في الحرب) يتحدث (كلاوزفيتز) بإسهاب عن طبيعة هذه العلاقة. من هنا عند الحديث عن أي حرب في العصر الحالي لا يمكن فصلها عن الهدف السياسي الذي شُنّت من أجله. فكل تحليل يأخذ الحدث العسكري منفصلاً عن السياسي هو تحليل وهمي لا صحة له على أرض الواقع.

انطلاقاً من هذه القراءة علينا قراءة ما يجري من منطقتنا من الحروب، سواء كانت داخلية أو خارجية، كي نستطيع فهم ما يجري من أحداث، وإلا وقعنا في فخ التوهم بأننا نجيد القراءة.

العدد 1105 - 01/5/2024