مظفر النواب | فرات.. نخيل العراق.. دجلتها!

عباس حيروقة:

منذ أكثر من سنة تناقلت بعض المواقع الإخبارية وصفحات التّواصل الاجتماعي، إضافة إلى المواقع الإلكترونية، خبر رحيل الشّاعر العربي الكبير مظفر النّواب، ونفت حينذاك بعض المواقع وصفحات المقربين من الشّاعر النبأ

إلا أنّنا اليوم.. يوم الجمعة المصادف في 20 أيار 2022 نشهد تناقل الخبر بشكل غير مسبوق، ومصحوباً بضجة فيسبوكية استثنائية عزّزها وأكّدها مشاركات الخبر من قبل مواقع إخبارية رسمية معتمدة موثوقة، كل هذا كان مناسبة لأن تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي بصور الراحل الكبير وبقصائده المسجلة منها والمكتوبة.. وتفتقت قرائح الشّعراء والمستشعرين والمتشاعرين.

نعم، هذا النّبأ.. نبأ وفاة الشّاعر العربي الكبير مظفر أعادني إلى تلك السّاعات الجميلة والماتعة التي قضيناها معاً في حلب إثر مشاركة الشّاعر بأمسيته المميزة والصّاخبة والصّارخة كغيرها من الأمسيات التي أحياها شاعرنا بغير مدينة ومنطقة ومحافظة.

لن أتحدث عن تفاصيل تلك السّهرة التي استمرت ليومين متتاليين بصحبة أخوة وأصدقاء عراقيين وسوريين عن تلك الأحاديث الهامة والماتعة التي حدثنا بها الشاعر، عن تلك الأغاني الرّاقية والباقية التي تغنى بها أيضاً تاركاً ذلك لغير موضع أو مناسبة، ولكن ما يمكن أن أتحدث به الآن هو غيض من فيض مما يجب الحديث عنه.

ففي يوم الخميس في الرابع عشر من شهر كانون الأول لعام 2000 وعلى مدرج كلية الطّب في جامعة حلب، وبدعوة من الاتحاد العام لطلبة فلسطين (فرع سورية) أحيا شاعرنا الكبير أمسية شعرية متميزة لم تشهد حلب لها مثيلاً منذ زمن تقريباً.. وجاء تمايز هذه الأمسية من ذاك الألق العام والخاص الذي بدا واضحاً عند الشّاعر في نصوصه، وتلك القدرة الاستثنائية لديه في جذب المتلقي لدرجة التحكم بشهيقه وزفيره، وتجلى ذلك من خلال الإلقاء الجميل الحنون.

والحضور كان مدهشاً وكبيراً جداً بتفاعله المطلق مع الشّاعر، إذ إن عدد الواقفين في داخل المدرج يساوي عدد الجالسين، كما أن عدد الذين تجمهروا في الممرات والسّاحة العامة تجاوز عدد من سمحت له الفرصة بالدخول إلى المدرج.. وهذا ليس بغريب على محبّي شاعرنا ومتابعيه.

مظفر النّواب الشّاعر الذي حفظناه عن ظهر قلب.. حفظنا آهاته ونشيجه ووترياته الليلية..

مظفر النّواب الذي صرخنا معه في السّر وفي العلن تلك الصّرخة التي نتشهاها طويلاً والتي أطلقها في وجه الحكام ذات يوم حين قال لهم: أبناء القحبة.. معتبراً أن لكل مقام مقال، ولا يمكن أن يقال بحضرتهم أقل من هذا فلا مفردة في اللغة قد تفي بالوصف أكثر من تلك.

مظفر النّواب الذي ألهب حناجر الآلاف بل الملايين حين سخر من الرؤساء ومن الأمراء الملوك والخدم حين قال على خلفية انعقاد القمة العربية المخجلة:

قمم.. قمم.. معزى على غنم.. وجلالة الكبش على سمو نعجة.. على حمار بالقدم..

مظفر النّواب الذي لم يتنصل من كلمة قالها يوماً، بل على العكس كان يدعو دائماً إلى الصراخ في وجه القبح والخراب.. ففي ذلك اليوم قال مخاطباً الجمهور:

-إذا خمرت الرّوح بالعشق.. سكر الجسد بالماء القراح

-قاتلوا دفاعاً عن أغاني قلوبكم أيها الشّباب

-لا أتنصل من كلمة دفعها قلبي إلى شفتي.‏

مظفر النّواب أنت لم تمت ولن تموت.. أنت كالعراق العظيم.. كالفرات.. كدجلة.. أو لماذا؟ فأنت ثالثهم في الخلود.

العدد 1105 - 01/5/2024