القدس انتصرت لهويتها الفلسطينية في يوم دامٍ ودحرت الكهانية وحكومتها

برهوم جرايسي:

صباح الخير يا قدس، بعد يوم قالت فيه إن طغاة اليوم لن يكون مصيرهم مختلفاً عمن سبقوهم من طغاة على المدينة على مرّ التاريخ؛ فالقدس لأهلها، مهما توهّم الاحتلال، ومهما زادت شراسته، ومهما اقتنى لنفسه من الأسخريوطيين العابرين

 

صباح الخير يا قدس

استيقظت القدس صباح اليوم الاثنين، 30 أيار عام 2022، بعد يوم دامٍ، سجّل فيه الإرهاب الصهيوني ذروة جديدة في الحقد والكراهية، والشراسة العدوانية والدموية.

نسجله للتاريخ، يوم الأحد 29 أيار 2022، إذ حشدت حكومة الاحتلال الآلاف من عناصر العصابات الصهيونية الإرهابية، المسيطرة على الحكم الإسرائيلي وخاصة الحالي، من وزراء ميرتس المقنّعين بوجوه زائفة، الى أشرسهم زعيمهم ورئيسهم، فيما كان داعموهم من نواب الحركة الإسلامية الجنوبية، يعدّون “الفضة الثلاثين”، التي باعوا لأجلها كل شيء، ليصمتوا عن كل شيء، إلا التباهي بذلّهم.

في ختام اليوم المشهود، تلملم وزراء صهيون، وقادة العسكر والمرتزقة، يرفعون نخبهم بكؤوس تفوح منها رائحة الدم، فيما استلقت عناصر الإرهاب الصهيونية تتمتم بهتاف الموت للعرب، وشتائم لا تتوقف على الرسول الكريم، واهمين أنفسهم بأنهم سجلوا انتصارا، بإعادة احتلال جوهرة التاج الفلسطيني لبضع ساعات، حتى ارتدّوا خائبين كما هو حالهم دائماً، منذ 55 عاماً على اجتياح وبائهم للمدينة.

ويعلن وزير البوليس في حكومة الاحتلال، الذي اشتغل في الأيام الأخيرة، بوظيفة خِرقة تحت أرجل الحركات الكهانية الإرهابية، تحركه كيفما شاءت، ليعلن عن انتصاره في تسيير مسيرة الدم والإرهاب كما أراد لها أن تكون.

هذا الوزير الخِرقة يدعى عومر حاييم بارليف، وكان نصره في الأمس، كنصر والده حاييم بارليف، صاحب (خط الدفاع) الوهمي في صحراء سيناء، الذي تهاوى في أكتوبر عام 1973 خلال بضع ساعات، على يد جيش مصر، وهذا ما حصل لبارليف الابن، وإذا لديه من هو من بعده، فليحفظ (انتصار جده ووالده)، انتصاراً مزعوماً لا يصمد على الورق.

أمس، الأحد 29 أيار 2022، اثبت المقدسيون مرّة أخرى أنهم صف الدفاع الأول والأساسي عن مدينتهم، عن حضنهم الدافئ، بأسوارها ومقدساتها وأحيائها الحامية للبلدة القديمة، فمشاهد البطولات التي رأينا جزءاً منها عبر أشرطة قصيرة، تناثرت في شبكات التواصل، كقطرات الندى على أوراق الورد الجوري، تتلألأ مع اشعة الشمس الأولى، في صباح يوم فلسطيني جميل.

كانت أعلام المحتل سفلى، بينما تراقصت رايات فلسطين في سماء المدينة، بإبداع المقاومة الشعبية، لفتيان وشباب وصبايا القدس الفلسطينية العربية، يهبّون بأجسادهم المتطايرة على المعتدين على جدّة مسنة عند باب العمود، تحمل في البقجة مونة البيت، وعلى جد استغل عكازه ليركل حشرة استيطانية سامة، اختارته ضحية فعادت خائبة.

في الأمس، سجلت الإحصائيات الفلسطينية أكثر من 80 مصاباً في شوارع القدس العتيقة، وأكثر من 50 معتقلاً، بأيدي جند الاحتلال، ليرتفع أعداد المعتقلين في القدس منذ مطلع هذا العام الى أكثر من 1600 معتقل، من طفل صغير حتى جدّ مسنّ، ولكن هيهات! فهذه أعداد لم تعد ترهب أحداً.

وتعددت التقارير الفلسطينية وهي تشرح عن جرائم الاحتلال في كل واحد من الأحياء المنتصرة رغم كل عدوان، من الشيخ جراح إلى الطور إلى سلوان والعيسوية، ووادي الجوز، وغيرها. وتروي لنا عن اعتداءات وقعت عند أبواب القدس العتيقة، لكن أمام كل اعتداء كانت مقاومة ونصر لها أكيد.

الأحد 29 أيار 2022 كان يوماً ربيعياً، بشمس حارقة، أذابت مساحيق كثيرة، وأعادت المشهد الى حقيقته.

كان يوماً بطولياً، أخرس خدام حكومة الاحتلال، الذين يتقصّعون عند أبواب وزرائها، طالبين فتاتاً تافهاً، يعرضونه ثمناً لذلّهم، يكذبون به على الناس، لكن هيهات!

في الأمس تأكد مجدداً، أن حكومة الاحتلال الحالية لا تختلف عن سابقاتها إلا بأنها رفعت سقف عدوانيتها، ووضعت قواعد استبداد وقهر لم تكن من قبل، ولن تقبل أي حكومة تأتي من بعدها أن تكون أقل منها لتزيد، فهذه طبيعة هي الدُمّل الصهيوني في جسد الإنسانية.

صباح الخير يا قدس

صباح الخير يا قدس بعد يوم قالت فيه إن طغاة اليوم لن يكون مصيرهم مختلفاً عمن سبقوهم من طغاة على المدينة على مر التاريخ، فالقدس لأهلها، مهما توهّم الاحتلال، ومهما زادت شراسته، ومهما اقتنى لنفسه من الأسخريوطيين العابرين.

صباح جميل يا قدس بأهلك وناسك، والكعك يخرج من الأفران وتعبق رائحته في كل مكان، من الزعتر المقطوف من جبال فلسطين كلها.

(الاتحاد) الفلسطينية

العدد 1107 - 22/5/2024