خطاب برجوازي موحّد!

أحمد ديركي:

النزاعات ليست بالأمر المستحدث في التاريخ البشري. فمن يطّلع، ولو اطّلاعاً سطحياً وساذجاً، على كتب التاريخ يعرف أن تاريخ البشرية تاريخ نزاعات وصراعات. صراعات على المستويات كافة، وبخاصة الصراع على السلطة السياسية. لكن لماذا يتمركز الصراع على السلطة السياسية؟

نعم، هناك صراعات مختلفة، في المجتمع وفي الاقتصاد، إلا أن الصراع على السلطة السياسية هو (الأعنف). ليس بالضرورة هنا أن يكون (العنف) دموي الطابع، بل يمكن أن يأخذ شكل صراع سلمي.

نعم، صراع سلمي، بالمعنى العنفي، لأن المتصارعين على المركز السلطوي يعي كل طرف منهم، ومن يدعمهم، أنه يمكن للإنسان، أن يتصارع مع الآخرين من دون (العنف) الدموي. فالأنظمة السياسية قد تطورت مع تطور الفكر البشري ليتمكن البشر من نقل صراعاتهم من المستوى العنفي الدموي إلى مستوى الصراع السلمي.

لكن هذا الصراع يستلزم كقاعدة أساسية له الوعي. والوعي هنا مسألة معقدة أكثر مما نظن. فصحيح أن الإنسان يُعرف بالإنسان العاقل، أي يستخدم عقله في قراراته، وتحديداً القرارات المصيرية، وطبعاً يستخدم عقله حتى في القرارات اللامصيرية. لكن في القرارات اللامصيرية قد يتهاون في بعض الأمور، أما المصيرية فلا يتهاون فيها. واستخدام العقل، بمعنى الوعي الصحيح لاتخاذ القرار، يعتمد بشكل أساسي على الحرية.

والحرية ليست بالأمر المطلق، فالحرية، من ضمن تعاريفها الكثيرة، تعني تحمّل مسؤولية القرار المتخذ، ما دام اتخاذ القرار اتخذ بشكل حرّ.

لأن الحرية مسؤولية، والإنسان في كثير من الأحيان يتهرب من تحمل مسؤولية قراراته، فالحل الأسلم في هذه الحالة اتخاذ القرار من دون حرية. وهنا ينعدم الوعي المرتبط بالحرية واتخاذ القرار الصحيح.

انعدام الوعي، بمعنى الوعي المزيف، إحدى مهن النظام السياسي. مهنة من اختصاصه بالدرجة الأولى. فالمهمة الأساسية للنظام السياسي، في نمط الإنتاج الرأسمالي، تشكيل وعي مزيف يضمن مصالح الطبقة المهيمنة التي هي أيضاً حليفة الطبقة الرأسمالية.

من ضمن هذه الهيمنة يبدأ النظام السياسي، بطريقة غير مباشرة، بقمع كل الآراء المعارضة له بصورة (ديمقراطية) تخفي مساوئه وتلغي أو تشوه كل فكر معارض له. ولأن النظام السياسي هو المهيمن على كل أدواته، من الجيش وصولاً إلى تشريع القوانين، والتعليم، والطبابة، …إلخ، فإنه يستخدم كل أدواته الممكنة لإلغاء الآخرين المعارضين له، وإن لم يستطع إلغاءهم فإنه يشوّه فكرهم؟

ومن أخطر الأفكار المعارضة لكل الأنظمة القائمة في نمط الإنتاج الرأسمالي: الفكر الشيوعي. وهو فكر يستلزم وعياً صحيحاً قائماً على حرية التفكير ليكون القرار صحيحاً. وما دامت هذه المقومات من المهددات الأساسية لأي نظام قائم، تعمل هذه الأنظمة القائمة، وإن كانت متناحرة في الشكل، على قمع الفكر الشيوعي.

ومن ضمن آليات قمع الفكر الشيوعي، وإن كان (مشرّعاً) وجوده قانونياً لكنه مهمل بشكل مقصود ومبعد من كل الحقول الأساسية المتعلقة بالنظام السياسي. وهذا من بديهيات القول، لأن هذه هي مهمة النظام القائم. لكن ما ليس بديهياً لماذا تقبل الأحزاب الشيوعية أن تكون بهذا الموقع الهامشي المفروض عليها من النظام السياسي القائم؟

نعم، إن الأحزاب الشيوعية تعاني من أزمة حادة، قد تكون في بعض الأحيان أكبر منها، وهي كذلك، فمجريات أحداث العالم أصبحت متسارعة وتناحرية دموية، لأن الأنظمة السياسية في نمط الإنتاج الرأسمالي مأزومة. والأزمة ناجمة عن أزمة في صميم نمط الإنتاج الرأسمالي. ومن المؤكد أن نمط الإنتاج الرأسمالي سوف يخرج من أزمته بأقوى مما هو عليه اليوم.

أمر حدوث التعافي في النظام الرأسمالي ليس بمعجزة، إنما ناجم عن عجز الأحزاب الشيوعية في طرح بديلها ونشره بين الطبقة العاملة وغير العاملة، ليتحول هذا البديل من فكرة في عقول الطبقة العاملة وغير العاملة إلى سلاح ينحر به الطبقة البرجوازية من دون إراقة ولا قطرة دماء. طبعاً الأمر ليس توهماً، بل هو الثورة بعينها لتحقيق الشيوعية من خلال استخدام الوعي الصحيح في اللعبة السياسية لتحقيق شعارهم: (يا عمال العالم اتحدوا). وهنا أيضا يتحقق القول الإضافي (ويا شعوب العالم المضطهدة). فليس وحدهم عمال العالم مستغلون، بل أيضاً شعوب العالم، بكل أطيافها. فالبرجوازية العالمية أينما كانت يبقى (خطابها) واحداً وإن اختلف في الشكل، فلماذا يفقد عمال العالم خطابهم الموحد لمواجهة البرجوازية وهذه الأنظمة السياسية الداعمة لها؟

العدد 1104 - 24/4/2024