جشع وهلع ووجع
الدكتور سنان علي ديب:
رغم ما بذلته الحكومة من جهود واجتماعات بمسعى تشاركية للإحاطة بالانعكاسات المتوقعة للحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة ما توقعوه من صعوبة توريدات وتضخم ناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة وما ينجم عنه من زيادة التكاليف وخاصة فيما يختص بالسلع التي تستورد من كلتا الدولتين وخصوصاً القمح والذرة والزيت النباتي، ولكن للأسف لم تكن حساباتنا على ما يبدو دقيقة، ولم تتغير سلوكية السوق ولا سلوكية ضبطه عما وجدناه أول الحرب المعقدة التي تفنن الاعداء في أدواتها ومنها الاقتصادية التي زادت شراستها وتأثيرها. ونقولها صراحة لعدم التشاركية بتنفيذ القرار الوطني ومحاولات جشع وابتزاز في ظل التغاضي أو عجز المؤسسات المسؤولة عن ضبط الاسعار أو ردع جشع الكثر أو احتكار أو تحكم ذوي الرؤية القاصرة، وما نجده من ركود تضخمي بأغلبه نتيجة هذًه السلوكيات، ولم يتغير سلوك مؤسسات التدخل في مسايرة نوايا أغلب التجار والسوق، فتدخّلها خجول وتوقيته مساند لحرية مسلوبة لضعاف نفوس في رفع الأسعار بلا مبررات ولسلع مخازينها تكفي لشهور مع وفرة، وحتى التضخم العالمي المزامن والمساير لأغلب تجارنا غير مبرر، فأغلب عقود النفط آجلة لثلاثة اشهر تبدأ من حزيران، والتوريدات الحالية بأسعار سابقة بحدود ٧٥ دولاراً لبرميل النفط، والزيوت التي استنكر الاغلبية بيعها بـ ٧٢٠٠ ليرة عبر المؤسسة رفعت أسعارها بلا حدود في الأسواق وتأخر بتزويدها، ورفع أسعار المياه بحدود ٤٠ بالمئة وكأننا نستوردها من أوكرانيا! ولا يعرف متخذ القرار ما يشكله من قاطرة لتبرير لواحق في رفع الأسعار، فالخوف والتخويف قد يجعل المواطن يهرع لتخزين ضروريات، ولكن على حساب باقي السلع فنقع بتواتر قطع الدورة الاقتصادية وفي براثن ركود تضخمي مستمر وانكماش بالإنفاق وبالتالي تأخر ما نوينا من علاجات.
للأسف غالباً السلوكيات السوقية تعكس عدم الشعور بما أوصلتنا له نتائج الحرب والعقوبات والخناق والحصار ولا تعكس وحدة الهدف ولا التشاركية بالمنفعة والمعاناة وكل يسعى فرادى لغايات وأهداف تعرقل العلاجات وتسكن المعاناة ورغم ما تتخذه الحكومة من تسهيلات وهنا لا أقصد الضرائب والرسوم وما سببته ولكن بالقرارات الأخيرة وكذلك منع التصدير لمواد أساسية وما يجب أن ينعكس على الأسعار، وما يظهر لن نجد تجاوباً من المحتكرين ومن بقايا التجار ولم نجد الدور المنوط من وزارة حماية المستهلك ولا من القرارات التي سنت لتأخذ دورها في تخفيض وتثبيت الأسعار.
ويبقى السؤال إن كنا فوجئنا بسلوكيات كهذه قبل بدء تأثير الحرب الروسية وامتدادها وطولها، فماذا سنجد وبماذا سنتفاجأ في حال طالت وتعمقت ووسعت أفقياً وعمودياً؟!
البلد بحاجة إلى تشاركية حقيقية وبحاجة إلى استخدام كل الأدوات والصلاحيات لتخفيف المعاناة والألم وللتكافل الوطني الاجتماعي.
فهل يفوز الشعور الوطني الجمعي؟
ام ستعتمد الحكومة أدوات جديدة ضابطة وفاعلة وموازنة؟