ندرة المياه تضع مستقبل الشرق الأوسط على المحك

التغييرات المناخية تحدٍّ أمام التنمية المستدامة في المنطقة

يواجه سكان منطقة الشرق الأوسط أزمة خطيرة تتمثل في ندرة الموارد المائية، التي من المتوقع أن تؤدي إلى أزمة مائية حادة، تعقبها مباشرة أزمة غذائية تضرب شعوب المنطقة، مما سيؤثر سلباً على مستويات التنمية والاستقرار الأمني.

ونشأت الحضارة الإنسانية في أحضان الممرات المائية بالشرق الأوسط، وفي ظل ازدياد عدد المدن القديمة من الآلاف إلى الملايين، توسعت أيضاً الزراعة لدعم المعيشة، والتجارة، والأمن الغذائي. لكن المنطقة تواجه اليوم أزمة مياه.

وتقول المحللة الأمريكية ناتاشا هول، وهي زميلة بارزة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إن عقوداً من سوء إدارة المياه، مع تزايد عدد السكان، وارتفاع درجات الحرارة، أدت إلى سوء حالة أراضي المنطقة، وإلى استنزاف مواردها المحدودة من المياه.

وأصبحت الممرات المائية الشهيرة في المنطقة تختفي أمام الأعين، فقد تحولت أنهار كانت هادرة يوما ما إلى مجرد جداول مياه يمكن عبورها سيراً على الأقدام.

وترى هول التي تتمتع بخبرة أكثر من 15 عاماً كمحللة، وباحثة وممارسة في مجال الطوارئ الإنسانية المعقدة، والمناطق التي تشهد صراعات وخاصة الشرق الأوسط، أن كثيراً من حكومات دول الشرق الأوسط تواجه مستويات غير مسبوقة من الديون والعنف والبطالة، مما يجعلها عرضة للخطر، على نحو خاص.

ويتعين عليها السعي بجدية لمواجهة المستويات المتزايدة من انعدام الأمن المائي في وقت يشهد تحولاً في الطاقة من الوقود الأحفوري، صاحبه عدم استعداد الدول المانحة للاستمرار في تقديم المساعدات، وتحول الاهتمام الدولي بعيداً عن المنطقة.

وتقول هول في تقرير نشره مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إن من المتوقع أن تؤدي ندرة المياه المتعلقة بالمناخ، والتي تمثل أكبر التحديات، إلى خفض إجمالي الناتج المحلي في الدول العربية بنسبة حوالي 14 في المئة بحلول عام 2050.

ورغم إلحاحية الأمر، تواصل الحكومات والأطراف المعنية الأخرى ممارسات الماضي الخاصة بالإدارة غير المستدامة للماء. وإصلاح ذلك أمر صعب بسبب عقود من التصرفات والسياسات غير المستدامة الراسخة طوال أجيال. ويعتبر تفهّم كيفية الوصول إلى هذا الحال أمراً مهمّاً لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة سياسياً.

وبحلول عام 2050 سوف تعيش كل دولة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ظل توتر مائي شديد للغاية.

وإذا ما ارتفعت درجة الحرارة بواقع أربع درجات مئوية، سوف تشهد المنطقة انخفاضاً بنسبة 75 في المئة بالنسبة للمتاح من المياه العذبة، ومن المتوقع أن تشهد دول كثيرة في المنطقة ارتفاعاً في درجة الحرارة يبلغ نحو خمس درجات مئوية بحلول نهاية القرن.

والدول الأكثر عرضة لتغير المناخ والأقل استعداداً للتكيّف هي أيضاً تلك الدول التي تؤثر عليها الحروب. فدول مثل سورية، واليمن والعراق ولبنان والأردن إما متورطة في صراعاتها الخاصة أو متأثرة بالعنف الذي تشهده دول مجاورة لها.

ويعرّض انعدام الأمن المائي للخطر تلك الدول المتأثرة بالحروب، أكثر من غيرها، ولكن الأزمات يمكن أن تمتد عبر الحدود. ونتيجة لذلك، فإن الإخفاق في تحسين إدارة المياه والتكيف مع المناخ المتغير يهدد الأمن الإقليمي والدولي.

ومن ناحية أخرى، تغلغل الشعور بالاستخدام غير المستدام للماء في النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمعات.

ومن أجل تجنب حدوث هزة في العلاقة الحساسة بين الحكومات في الشرق الأوسط ومواطنيها، اتجهت المشروعات المرتبطة بالمياه إلى التركيز على وقف الإجراءات التي تزيد من إمدادات المياه، وليس لتحقيق الإصلاح الشامل.

ويبدو أن بعض حكومات المنطقة تنتظر التكنولوجيا أو تحلية المياه لتنقذها. ولكن معظم الخبراء متفقون على أن تحلية المياه باهظة التكاليف وتحتاج إلى قدر كبير للغاية من الطاقة، وتنطوي على عدد لا حصر له من التداعيات البيئية المحتملة؛ مما يجعل من الصعب اللجوء إليها لتوفير كل احتياجات البلاد من المياه. كما أنه ليس من المحتمل أن تحل التكنولوجيا وحدها المشكلة.

وعلى سبيل المثال، لجأت بعض الدول إلى الاستعانة بآليات قوية مثل نظام جمع ومراقبة البيانات والتحكم فيها، المعروف اختصاراً بنظام (سكادا) الذي يتيح لمديري المرافق اكتشاف أي تسريبات والاطلاع على أحدث المعلومات الخاصة بضغط المياه والتغيرات في تدفق المياه.

ولكن إذا ما تم اكتشاف حالات سرقة أو تسرب ولم تتوفر إرادة سياسية للتعامل مع السرقة، أو مع المتخصصين لإصلاح التسرب، حينئذٍ تعتبر مثل هذه التكنولوجيات عديمة الجدوى.

وبدلاً من ذلك، سوف تحتاج دول المنطقة إلى التركيز كثيراً على إدارة المياه كما تفعل بالنسبة لزيادة إمدادات المياه. وسوف يتعين عليها القيام بذلك مع المراعاة التامة للحفاظ على التوازن بين المصالح الخاصة القوية.

ويؤدي تجاهل الوقائع السياسية التي أوصلت المنطقة إلى حافة الهاوية إلى إضعاف أي إصلاحات جادة. وقد يكون للإصلاح الخاص بالمياه أساس فني، لكن تنفيذ الإصلاحات يتطلب عقلية سياسية لتطوير المزيج المناسب من الاستثمارات، والحوافز والقيود بالنسبة للمعنيين في كل سياق.

وفي ختام تقريرها، تقول هول إن الماء هو المورد الوحيد في الشرق الأوسط الحيوي لحياة الإنسان والذي أصبح نادراً بصورة متزايدة، ومازال رخيص الثمن، إن لم يكن مجاناً تماماً. وهذا يمكن أن يسفر عن كارثة بدأت تتكشف بالفعل في المنطقة، فنقص المياه يتسبب في احتجاجات مميتة، وصراعات، ونزوح. وأصبح الأمن المائي بسرعة مسألة تتعلق بالأمن الوطني والدولي.

وتضيف هول إن الوقت ينفد، ويتعين أن تدرك الحكومات والمؤسسات الدولية، ومنظمات المساعدات أن الاستقرار يعتمد على توفير هذا العنصر الأكثر أهمية للوجود الإنساني؛ إذ إن مستقبل الشرق الأوسط يعتمد عليه.

 

المرجع: مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية

العدد 1128 - 16/10/2024