تجاه علاقة مغايرة بين الثقافي والسياسي

عباس حيروقة:

لا بدّ لي بداية من أن أشير إلى أن ما سأورده هنا في مادتي هذه هو عبارة عن مداخلة، قدّمت بعضها إن لم يكن معظمها في مؤتمرنا السنوي الأول لاتحاد الكتاب العرب في دورته العاشرة الذي انعقد في مكتبة الأسد في دمشق بتاريخ ٢٢ شباط ٢٠٢٢ .

مداخلة كان منطلقها ما تفضل به السيد رئيس الاتحاد في كلمته أثناء إدارته لمجريات المؤتمر حين قال: إن اتحاد الكتاب العرب لن يطبّع مع الكيان الصهيوني، ولن يقبل أن يطبع حتى ولو طلبت الحكومة السورية منا ذلك، فهذه من الثوابت ولن نتخلى عن ثوابتنا.. الخ

وأيضا مما قاله في معرض حديثه:

قمنا برفع مذكرة للحكومة طالبنا فيها بإدراج لواء إسكندرون والجولان في خطب يوم الجمعة دائماً، وذلك لتذكير المواطن السوري بقضايانا المصيرية… الخ

وأيضاً مما حفزني للحديث هو ما قاله الأستاذ مهدي دخل الله حين دعا لتشكيل هيئات من الاتحاد وفي كل المحافظات، هدفها التواصل مع المجتمع.. مع المواطن السوري ووضعه في حقيقة ما يجري.. الخ

انطلاقا من هذه الطروحات قلت التالي:

السيد رئيس الاتحاد

السادة الزملاء

مساء المحبة.. مساء سورية

انطلاقاً مما تفضل به السيد رئيس الاتحاد في معرض حديثه عن الثوابت، حين قال سنرفض التطبيع بكل أشكاله حتى ولو طلبت منا ذلك الحكومة لأن رفضنا للتطبيع من الثوابت الوطنية لدينا..

وانطلاقاً من هذا القول الجميل والحيوي نتمنى أيضاً اعتبار الانتصار للمواطن.. للشعب السوري، من الثوابت الوطنية.. وأرى أننا لن ننجح في ذلك إلا من خلال ضرورة التقعيد والتأسيس لعلاقة مغايرة بمفردات جديدة بين الثقافي والسياسي.. علاقة تقوم على الندّية لا التبعية.

علينا أن ننتصر للشعب الذي صمد وضحى وقدم أغلى ما يملك وأن نكون صوته الحق المدوّي، ومن البداهة أن نكون كذلك لأننا وكما تعلّمنا أو كما يذكر التاريخ دائماص أن الكتاب والأدباء والمثقفين هم ضمير الشعب.. ضمير الأمة.. لأنهم الأكثر قرباً والتصاقاً به وبهمومه وبالتالي الأكثر قدرة على نقل معاناته وأوجاعه وقهره بسبب ما لحق به من ظلم وحيف.

أن ننتصر له من خلال الشرح وبالتفصيل لمعاناته في تأمين ألف باء مقومات الحياة من خبز وماء وكهرباء.. وكلنا يعلم ما عاناه وعانيناه في هذا الشتاء المرعب المخيف من برد وعتمة وأسقام..

أين دورنا ككتاب وأدباء ومثقفين؟؟ أين دور اتحاد الكتاب العرب حيال ما يتعرض له المواطن؟؟؟ أين موقفه من سياسات الإفقار والتجويع والإذلال التي تمارس عليه وعلى مدار الساعة؟؟

أين موقفه من كل هذا الفساد والإفساد المتفشي أنّى نظرنا والذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، فباتت معاناتنا كبيرة حدّ تأمين الرغيف النظيف؟

قرارات وقرارات حكومية ارتجالية أربكت المواطن أكثر مما أربكته الحرب (رفع الدعم العشوائي) مثلاً.

غلاء متكرر ومتصاعد بوتيرة لم تعد تطاق في أسعار كل المواد سواء المستورد منها أو المنتج محلياً وسط ثبات في الرواتب وحين زيادة بسيطة فيها يجن جنون السوق وتنفلت الأسعار في فوضى غير مسبوقة.. لنرى الناس سكارى وما هم بسكارى.

وآخر زيادة في الرواتب كانت ٣٠% تبعها كالعادة وفوراً انفلات وارتفاع في كل شيء، الأدوية مثلاً ارتفع سعرها بالنسبة ذاتها ٣٠% ولكن هذه الـ٣٠% لم يتم تثبيتها أبداً فنرى ارتفاعات متكررة تعكس فجوراً.

انطلاقا من هذا وذاك.. أطالب باستدعاء أو باستضافة ممثلين عن الحكومة في اجتماع قريب لاتحاد الكتاب العرب واستجوابها أو مساءلتها عما جرى ويجري، وإن تعذر نطالب بحضور شبه دائم لممثلين عن اتحاد الكتاب العرب في اجتماعات الحكومة ومجلس الشعب.

أطالب برفع مذكرة لأعلى الجهات نشرح فيها ما يعانيه المواطن السوري في تأمين حتى الهواء.

أطالب بفتح ملفات الفساد ورفع الغطاء عن أساطينها من تجار وفجار وأثرياء حرب والمطالبة بمصادرة أملاكهم وضمها لخزينة الدولة..

ونطالب بتبني قرار مؤتمر بضرورة إصدار بيان وينشر في صحيفة الأسبوع الأدبي وعلى موقع الاتحاد وصفحات التواصل الاجتماعي.. نبين فيه رفض اتحاد الكتاب العرب وإدانته لسياسة التجويع الممنهج التي تمارس بحق المواطن السوري ونطالب بمحاربة الفاسدين من تجار وفجار ومتنفذين وتقديمهم للعدالة ومحاكمتهم قضائياً لتلاعبهم واتجارهم بقوت المواطن …الخ.

وأما عما تفضل به الأستاذ مهدي دخل الله من اقتراح بضرورة تشكيل هيئات خاصة بكل الفروع والمحافظات للتواصل مع المواطن.. فقلت:

عن أي تواصل نتحدث.. وماذا نقول ونشرح للمواطن؟

إن حصل فسيكون مصيرنا في نظرهم مصير أي جهة مسؤولة تنبري مقررة هنا أو محاولة شرح وتبرير ما يحدث هناك.. أي سيقولون عنا ما قالوه عن هذا أو ذاك المسؤول: أنتم منفصلون عنا.. عن واقعنا.. كأنكم تعيشون في تاريخ وجغرافية غير تلك التي نعيشها.. أنتم لا تعنوننا ولا تصريحاتكم تعنينا.. أنتم منشقون عن رغيفنا ومائنا وعن ترابنا.. الخ.

ثمة غياب كبير للمثقف السوري.. لدوره ولحضوره..

ثمة غياب لدور اتحاد الكتاب العرب كمؤسسة حضارية رائدة تضم نخبة أبناء سورية.

هذا الغياب القسري غير المقبول وغير المبرر أراه نتيجة طبيعية لسياسات امتدت لعقود..

سياسات سطحت وهمشت المثقف والثقافة ودورها على حساب تشجيع ودعم كل ما يحرك النصف السفلي للإنسان من رياضة.. رقص.. فن (الفن هنا لا بمعناه الراقي الأصيل بل الهابط).. والحديث يتسع لذلك ولكن المساحة لا تسمح، ولكن سأضرب مثلاً لأدلل على ما ذكرته وهو:

نلاحظ في الأزمات السياسية أو الاجتماعية في أية دولة كانت يتم استدعاء واستضافة الجهات الأكثر تأثيراً في المجتمع وتكليفهم بالقيام في دور ما من شأنه تهدئة الحال ودعوة الناس إلى الالتزام

(تفشي وباء الكورونا) ًمثلاً، إذ رأينا استضافة رجال الدين.. الرياضيين.. الفنانين..الخ، في ظل غياب تام للمثقفين والثقافة.. لم أر مثقفاً كبيراً أو صغيراً خرج عبر فضائية ما وخاطب الناس كغيره من رجال دين ورياضيين وفنانين الخ.

هي إذاً سياسات اشتغل بها وعليها أوصلت الحال إلى ما هو عليه..

كما أتمنى أيضاً أن يتبنى المؤتمر قرارات تكفل للزميل حرية القول وإبداء الرأي في جو نظيف ديمقراطي تحت سقف الوطن للسوريين كل السوريين دون قلق أو خوف..

أعود وأذكّر أن هذه هي مداخلتي كاملة والتي لم يسعفني الوقت والحظ بتقديمها كما هي ولكن قدمت بعضها إن لم أقل معظمها..

ختاماً أسجل لرئاسة المؤتمر.. للمكتب التنفيذي.. للمجلس، هذا النجاح غير المسبوق آملين أن تكون هذه النجاحات انطلاقات جديدة ومنصات إضافية لانطلاقات تجاه آفاق أكثر ألقاً وحرية وحيوية.

العدد 1105 - 01/5/2024