العنصرية الأمريكية في أبشع صورها!

د. صياح عزام:

تصاعدت الاضطرابات وأعمال العنف والشغب في مدينة مينابوليس الأمريكية، بعد جريمة ارتكبها أحد رجال الشرطة البيض، حين أقدم على قتل مواطن من أصول إفريقية خنقاً بالضغط على عنقه بركبته، بعد أن طرحه أرضاً ورفض التجاوب مع توسلات الضحية بالتوقف عن فعلته لإنقاذ حياته.

إنها جريمة بشعة بامتياز، وقد وثّقها أحد المارة بكاميرا هاتفه المحمول، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على إعادة فتح ملف الاضطهاد والتمييز العنصري الذي يتعرض له المواطنون السود على أيدي الشرطة الأمريكية وبعض مؤسسات الدولة، رغم مرور عام أو أكثر على إلغاء قوانين التمييز العنصري، فقد بيّنت هذه الجريمة الجديدة أن الفوارق مازالت موجودة بين الأبيض والأسود، رغم أن السود أصبح منهم رئيس (باراك أوباما) ووزير خارجية (كونداليزا رايس) و(كولن باول) ومستشار للأمن القومي (سوزان رايس).

منذ وصول ترامب إلى البيض الأبيض بأصوات العنصريين البيض لأنه تبنى أفكارهم وأجنداتهم العنصرية، ولأنه تهجم على سلفه الرئيس أوباما وطالبه بكل وقاحة بأن يعود إلى مسقط رأس والده في كينيا، إضافة إلى التشكيك في شهادة ميلاده، ثم حملاته الحاقدة ضد المهاجرين والمسلمين والعرب منهم خاصة، كل هذا أدى إلى إحياء العنصرية من جديد وممارسات التمييز العنصري البغيض في الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي – زوراً وبهتاناً- أنها زعيمة المساواة وحامية الحريات في العالم.

علاوة على هذه الجريمة البشعة، فإن الوقائع تدل على أن العنصرية متأصلة في أذهان البيض، ذلك أن الإحصائيات الرسمية تفيد أن عمر الأمريكي الأسود أقل من عمر نظيره الأبيض بست سنوات، وأن نسبة السود في السجون الأمريكية أكثر بـ 43٪، رغم أنهم يشكلون 13٪ من مجموع سكان الولايات المتحدة، ولا يحصلون على حقوقهم في المجالس التشريعية، ففي مجلس النواب الذي يبلغ عدد أعضائه 435 نائباً، لا يوجد لهم إلا 44 نائباً، وفي مجلس الشيوخ لا يوجد فيهم إلا اثنان من أصل مئة نائب.

إن هذه الجريمة البشعة نشرتها وسائل التواصل الاجتماعي ووثقتها بالصوت والصورة وبشكل (تقشعر له الأبدان)، لاسيما منها الجزء الذي يظهر توسل الضحية (جورج فلويد) جلاده وجزاره الأبيض، وهو يقول بصوت خافت ومتألم: (ركبتك فوق عنقي، لا يمكنني أن أتنفس، إنني أختنق، أمي، أمي)! ثم يختفي الصوت ويفارق صاحبه الحياة!

الرئيس ترامب بدا مؤيداً لهذه الجريمة من خلال إحدى تغريداته التي قال فيها: (عندما تبدأ عمليات السطو يبدأ إطلاق النار)، وكأنه من خلال قوله هذا يحرض الشرطة على قتل المشاركين بالاحتجاجات في مينابوليس لأيام متتالية.

لا شك بأن ترامب هو وراء إحياء التفرقة العنصرية من جديد في أنحاء الولايات المتحدة، بل وفي العالم بأسره، وذلك من خلال انحيازه للعنصريين والمتعصبين البيض الذين صوّتوا له في انتخابات الرئاسة، حتى أن صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية وصفته بأن (نرجسي وقاس ولا يبالي بالعداء العنصري الذي يثيره في المجتمع الأمريكي).

إذاً، كل المؤشرات تؤكد أنه رئيس يحترف الكذب والتفرقة، ولا هم له إلا جمع المال والربح بأية وسيلة كانت وعلى حساب دماء الشعوب والأبرياء، ويحمل صفات (المرابي) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

وعلى هامش هذه الجريمة، تعود إلى الذاكرة واقعة السيدة الأمريكية السوداء روزا باركسون التي رفضت قبل نصف قرن من الزمن مغادرة مقعدها المخصص للبيض في مقدمة الحافلة والعودة إلى المقاعد الخلفية، الأمر الذي عرّضها للاعتقال من قبل الشرطة، ما أدى إلى ثورة للمواطنين السود في الجنوب الأمريكي.

العدد 1104 - 24/4/2024