نعمةٌ أمّ نقمة؟!

ماري مرشد:

كثيراً ما كان ذاك الفتى ينعزل عن العالم، ينكفئ على نفسه وراء الشاشة المستطيلة أحياناً طيلة اليوم، منشغلاً بالعمل، ودائماً ما كان يرافقه التوتّر لإنجاز المهام والوصول للسرعة المطلوبة والتعلم أكثر.

ربما طيلة فترة السنتين الماضيتين اعتاد ذلك، وأصبح طقساً من حياته لا يستطيع أن يوقفه، ولا أن يذهب لتجربة العمل ضمن شراكة وحياة اجتماعية في جوٍّ من الصحبة والزملاء، وحتى في حياته العادية لم يعتد المكوث طويلاً مع أيّ شخصٍ، فسرعان ما يعتذر ويعود إلى عالمه وأشيائه، لأنه وجد في جو العمل هذا راحته ودالته الثابتة، وأصبح من الصعب عليه أن يتخلّص من تلك العادة.

ونجد في مثل هذه الحالة أنّ جو العمل (أون لاين) له سمات كثيرة، منها ما يعود على الفرد بالنفع، ومنها العكس أيضاً، ومن منافعه أنه يوفّر كيفية وتقنية العمل عن بعد بطريقة مريحة نوعاً ما للفرد، إن كان لا يحب جوّ العاملين والضجّة التي تحدث فيه.

ومن مساوئ العمل عبر الويب تأثيره السلبي على صحة الجسم ما لم يكن المرء حذراً جدّاً، فالجلوس خلف شاشة الحاسب لفترات طويلة مُضِرّ ليس بالعين فقط، بل يؤثّر أيضاً على كامل عضلات الجسم وفقرات الظهر ما لم تكن الجلسة صحيحة. ويمكن تجنب آثار هذه الجلسات الطويلة في حال القيام بتنفيذ تمارين رياضية بسيطة داخل المنزل لتساعد على تحريك عضلات الجسم، التي كانت ستتحرك دون أن يشعر لو أنه كان العمل خارج المنزل.

ومن أسوأ الأمور التي قد يعاني الشخص منها أثناء العمل (أونلاين) هي موضوع الالتزام بالوقت، فالوجود في المنزل سيجعل وقتاً كثيراً يضيع دون الشعور بذلك، إلاّ في حال كان الشخص ملتزماً وقادراً على تنظيم وقته والعمل وفق خطّة مُحدّدة، وهذا ينطبق على العمل الحر، وكذلك على العمل كموظف عبر الويب في معظم الأحيان.

ربما نحن بسبب الوضع الحالي أيضاً الذي حكم على الغالبية العمل ضمن المنزل لسلامة الصحة والوقاية قدر المستطاع من فيروس كورونا المستجد، ممّا جعل كثيرين يواجهون صعوبة في التأقلم، منتظرين كل يوم المهام الجديدة التي يستطيعون إنجازها عبر (اللابتوب).

ومن أكثر الأشياء التي تقف عائقاً هو تفاوت سرعة النت وضعفها غالباً في الشبكة، ما يفرض التأخير في العمل واستنزاف الجهد وغالباً السهر الطويل لاستثمار فترات سرعة الشبكة، وأيضاً جهة التعامل مع العاملين ضمن المجال والتنسيق فيما بينهم، فقد يُصادف أحدهم التعطيل والمشاكل التي تقف حاجزاً لإنجاز المطلوب على حساب شخص آخر يتحمّل العبء ويواجه العمل المضاعف، كما أن الأوقات تكون متذبذبة وغير ثابتة في ساعات العمل، لأنها تكون غير منظمة وعشوائية وتحكمها الظروف الخارجية.

وهنا نقف عند مفترق طرق في الحكم على هذا النوع من العمل، هل نُشجّع عليه أو نحاول التقليل منه وإيجاد الحلول المناسبة لما له انعكاسات على الفرد، فقد يفضّله البعض ويتناسب معه، أو يلجأ إلى جوّ العمل الجماعي ضمن إطار الشركة أو المكان المُخصص للعمل!

العدد 1104 - 24/4/2024