خدماتنا غير كافية للعمل عن بعد

حسام محمد غزيل:

نتيجة التسارع والتطور التكنولوجي وسرعة الاتصال، ورغبة بتفادي العمل الروتيني عند بعض الأفراد، وتحقيق الوفرة الاقتصادية عند بعض المسؤولين عن الأعمال من حيث التوفير بمكان العمل والوقت وتحقيق تسارع شكلي ومضموني بالإنتاج، أُضيف إلى أشكال العمل المعروفة ميزة العمل عن بعد والعمل خارج حدود المؤسسة بشكل حرّ دون أوقات مُحدّدة للعمل وضمن شروط عمل مختلفة، ابتداءً من أعمال التصميم وأعمال الترجمة، ثم بالانتقال تدريجياً لعدّة أشكال أخرى منها التسويق الإلكتروني والتعليم عن بعد (الافتراضي) حتى غزا الأمر قطاعات اقتصادية وتسويقية كاملة، محققاً سهولة في العمل وعرضاً متزايداً بصورة انتقائية مرتفعة الجودة بما أتاحته من مرونة في العمل، إضافة إلى الطلب المتزايد عليه من فئة الشباب وعدم رغبتهم بالالتزام الشكلاني ضمن عمل وروتين مكتبي.

قد يبدو أن هذا النوع من العمل لم يأخذ حجمه الكبير لدينا حتى هذه اللحظة، ولكن مع انتشار كوررنا وفرض الحظر، وجد كثير من المؤسسات والأفراد في هذا النوع من العمل حلاً مناسباً، وقد اضطرت بعض الشركات والبنوك والمصارف حول العالم إلى هذا النوع من العمل تماشياً مع الحجر. هذا الشكل الذي قدّم نفسه كبديل يتزايد أهمية مع الوقت وينتج عنه مردودية اقتصادية قد تكون متفاوتة حسب الخبرة وطبيعة العمل، لكنها مردودية جيدة مقارنة بالوفر الذي تحققه، وهي اليوم تساهم بتأمين حماية للمجتمع من خلال تخفيف التجمعات والازدحام في العمل والتلوّث المرافق للحركة السكانية والمرورية في المدن الكبرى والتجمعات الإنتاجية والصناعية، مع ما ينتج عنه من توفير لأماكن العمل ممّا يزيد العرض الذي يساهم بتخفيض الإيجارات وما يتعلق بها من أزمة سكن مترافقة باختناقات مرورية حاصلة.

لكن، ومن تجربة شخصية وبأسلوب بسيط حتى الآن، أجد أن هذا النوع من العمل يواجه مشكلات تحدُّ من انتشاره وتطويره، كأزمة الكهرباء المتناوبة والمتزايدة حسب فترات زمنية مفاجئة ولا يمكن التنبؤ بها، إضافة إلى خطوط الاتصال مرتفعة التكاليف وضعف مستوى أدائها وخصوصاً الإنترنت الذي تخيّم عليه حتى الآن ضعف قيمة الأداء المرجو منها والخدمة المطروحة التي لاتصل حتى للشروط المقدمة ضمن عقد الاشتراك من حيث الجودة والسرعة، إضافة إلى طرح الكميات المحدودة الآن والتي أثبتت أنها لم تحظَ برضا مجتمعي وثقة من المستخدمين من حيث مصداقية وطبيعة الشكل المُقدّم للخدمة ومحدودية الشركات التي لم تستطع تحقيق تنافسية تخدم المواطن وتقدم له عروضاً جيدة.

ويبقى هذا العمل محتاجاً إلى فترة زمنية لتغيير العقلية المُتحكّمة برأس العمل وتحفيز تقبلها لطبيعة العمل المقدم وقيمته، وبالنسبة للشقّ الحكومي نحن بحاجة إلى تفعيل الجانب التقني بشكل حقيقي وتقديم الخدمات الإلكترونية بشكلها الذي يحقق المرجوّ منها، لأن معظم الدول التي تمّ فيها تطبيق العمل عن بعد بشكل إيجابي، رافقها حقيبة خدمات مُقدّمة منها خطوط اتصال مجانية، خدمة السكايب، الخط المفتوح، النت المجاني، السرعة ومميّزات الانتقال بجودة عالية، تأمين الأجهزة التي تترافق مع العمل بهذه الشكل، وهذا ما جعل التجربة تنجح في دول وتتعثر بأخرى.

لكن من جانب آخر أرى أنه رغم كل الخدمات المُقدّمة للعمل عن بعد، لا يستطيع هذا العمل أن يغني عن أمور وتفاصيل العمل الميداني التي تحتاج إلى تماس مباشر، رغم تعثّرها حالياً في مواجهة موجة الكورونا الحاصلة. نعم، لا يمكننا الاستغناء عن العمل المباشر وخصوصاً في المجالات التي تعتمد على الاتصال والاحتكاك، لذا نطمح بعد تفادي هذه الأزمة إلى خلق جوّ من التوافق العالي بين آليات العمل المباشر والعمل عن بعد، بما يحفظ لكلٍّ دوره وقيمته، ويحقق المطلوب منه بأعلى كفاءة وجودة ممكنة.

العدد 1104 - 24/4/2024