بين مطرقة الحياة وسندان الجوع

ماري مرشد:

لفحةٌ من البرد تركتني أسابيع أعاني من تعبها في صغري، حادثةٌ تذكّرتها عندما لمحتُ تلك الطفلة الجالسة عند قارعة الطريق.

في جوّ بارد وقارس كانت تلك الطفلة مُجرّدة من القبعة واللباس الدافئ، تمسك بباقة من الورد وتنتظر أيّ عابر سبيل يعيرها انتباهه أو يحنو عليها ويشتري منها، كانت ربما لا تتجاوز العشر سنوات من عمرها كما قالت لي حين اقتربت منها، وسألتها: لماذا أنتِ هنا؟ وماذا تفعلين في هذا الجو والبرد القارس الشديد؟

أخافها اقترابي وتمتمت بكلمات شبه مسموعة: (إنني أجني المال لأساعد أمي طريحة الفراش وأشتري لها الدواء والغذاء، فليس لديها أحد سواي). قالت هذه الكلمات وحملت أغراضها وذهبت بعيداً، حاولت اللحاق بها وإعطاءها بعض النقود ولكنها رفضت ذلك لأنها لا تريد أن تشعر بأنها محطَّ شفقة الآخرين.

بقيت تلك الطفلة ببالي، حاولت أن أجد طريقةً لأساعدها ولو بقدر بسيط لعلّني أمسح عن وجهها ذاك الحزن الظاهر، تواصلت مع عدّة منظمات وجمعيات ساعدتني بأن أضمها لها وأعيدها للمدرسة، لم يكن الأمر بالبسيط، فقد كان هناك كثيرون ممّن لديهم مشكلات ويحتاجون لمساعدتهم في تأمين مستلزماتهم، ولكن بعد جهد كان هناك حلول ومساعدة من قبل كل من علم بقصة تلك الطفلة الصغيرة.

ممّا لا شك فيه أن هناك كثير من الأطفال كحالة تلك الفتاة أو مشابه لها، ولابدّ أن هناك الكثير من القصص المختبئة خلف الأبواب والتي تشكو وتئن بصمت، لا أحد يعرف ولا يدري عنها شيئاً، والتي تعاني الكثير من المشاكل والقلّة في الدخل مع الطلب الكبير للمصروف وأساسيات الحياة وسط غلاء فاحش، وهذا من الأشياء البسيطة أمام تأمين باقي احتياجات الأطفال من تعليم وغيره.

لقد بات الوضع المعيشي في سورية ضاغطاً إلى درجة كبيرة، مع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية متجاوزاً عتبة الألف ليرة للدولار، مصحوباً بارتفاع كبير لأسعار كل المواد لاسيما الغذائية في الأسواق السورية، وهو ما فجّر موجة من الانتقادات للأداء الحكومي، زاده عدم وجود شروح من قبل أركان الحكومة للأسباب والمآلات، وعدم وجود إجراءات للمعالجة حسب ما عبّر نشطاء من خلال صفحات التواصل الاجتماعي.

كما أن الزيادة التي جاءت على الرواتب لم ترفع من مستوى معيشة أصحاب الدخل المحدود، لأن الأسعار ارتفعت أضعافاً، وكأن هذه الزيادات لم تفعل ولم تُغيّر بل أبقت الوضع على حاله ولم تعطِ أية حلول أو نفس يأخذه المواطن ليضمن تأمين متطلباته.

ويبدو أن الشارع السوري الذي اكتوى بنار الحرب، وما كشفته لاحقاً السنوات الماضية عن فصول الحرب وأدوار اللاعبين الإقليميين في تدمير سورية والسعي لتحقيق مصالحهم هم على حساب مصلحة شعب وبلد مازال يعاني من ويلات تلك الخطط العبثية والمشاريع الطامحة، ولكن مع تطور الأزمة وارتفاع حجم المعاناة، وضيق العيش، لا أحد يمكنه الجزم بطبيعة خيار الطبقات المسحوقة في البلاد. حتى مع انتشار الجمعيات الأهلية والخيرية المساعدة بكل ما تقدمه ما زال هناك عجز كبير تعاني منه العائلة السورية في ظلّ التصاعد الكبير للأسعار، والفرق الذي تشهده الليرة السورية مقارنة مع الدولار الذي يتغيّر كل يوم ويسبب المزيد من الاختلافات في أرجاء الأسواق والبلاد بما ينعكس على الحالة المعيشية ككل، وهذا ما يتطلّب من الحكومة إجراءات إسعافية لتحسين مستوى معيشة الذين صمدوا في وجه كل المخططات التي استهدفت سورية وشعبها وما زالت.

العدد 1104 - 24/4/2024