الوضع المعيشي في ظل الإجراءات والقرارات الحكومية الارتجالية

حسام محمد غزيل:

لو أجرينا مسابقة بتوجيه السؤال التالي:

ما هو أكثر سؤال يثير ضحك المواطن السوري؟ فقد نجد شبه إجماع على أنه السؤال عن الوضع المعيشي وكيف يدبّر رأسه (العبارة التي تحتمل كل الهموم والمشاغل اليومية التي يواجهها المواطن في محاولة تأمين لقمة العيش). فبإجراء معادلة حسابية حسب قوانين الرياضيات البسيطة ستجد أن إمكانية حل هذه المعادلة مستحيلة، وإذا نظرنا إليها من وجهة نظر محاسبية سنجد استحالة توازن الميزان المحاسبي بالشكل المنطقي، فالدخل أقل من حاجة الاستهلاك، والفارق بينهما يحتاج إلى معجزة سماوية لتفسير إمكانية التوفيق بينهما.

ومن وجهة نظر حقوقية، كما تنص التشريعات الدولية حول خط الفقر، نجد أننا بشكل لانهائي نراقص هذا الخط نزولاً مع تخوّفات لا نهائية وغير متوقعة النتائج يمكن أن تصل لها من استمرار الشائعات حول رفع الدعم عن الخبز، الذي ظلّ لعقود الضامن المجتمعي للشعب السوري والحافظ لكرامته من التقهقر أمام محن الجوع والفقر والصدمات التي واجهته. إن فقدان الثقة بين المؤسسات والمواطن أمر يساعد على زيادة هذه التخوّفات، وخصوصاً مع انتصار دائم للتجّار والمستوردين بفرض شروطهم في التسعير والبيع، رغم المحاولات الحثيثة للدولة للحدّ من هذا الأمر، لكن تفشي المنتفعين يضعف هذه السياسات إضافة إلى الإجراءات التي تأخذ الطابع الارتجالي والتململ من التعديلات والتخبّطات التي لا تؤتي ثمارها، ومحاولات تقنين كل الاحتياجات من خلال نافذة البطاقة الذكية التي زادت من غضب المواطن نتيجة ما تُحدثه من إرباك وإشغال يأتي بشكل عكسي بالمحصلة.

إن الهوة الكبيرة بين القدرة الشرائية واحتياجات المواطن تزيد من معدل الضغط الذي يتعرّض له، إضافة إلى الأمور والإجراءات المتعلقة بالحظر والتي نتج عنها مشكلات أكبر، ومن ذلك تعطُّل معظم المهن والأسواق عن العمل، ما ولّد احتياجات إضافية لا يملك المواطن آليات تساعده على تجاوزها، فهو بين نار الضغط المعيشي والضغط الصحي وما يتعلق بكليهما من تكاليف لا يجد وسيلة للتعامل معها، ومن ناحية أخرى هناك التقنين الكهربائي وإبداعات ومفاجآت البطاقة الذكية التي أصبحت مبعثاً للتندّر ولإثارة المخاوف أيضاً، إذا افترضنا حسن النوايا بالقرارات والإجراءات الحكومية، فهذا أيضاً لن يكون كافياً فالتجريب في مثل الظرف الحالي والإجراءات المرتجلة تزيد من حالة الإرباك التي تتملّك المواطن وعدم الثقة بفاعليتها، ممّا قد يجده البعض منفذاً لاستغلالها لمصلحته، أو يلزم البعض الآخر البحث عن آليات للتحايل من خلالها وعليها، فمثلاً من أكثر المقاييس تذبذباً هو دور الغاز على البطاقة الذكية الذي ينافس مقياس ريختر بحساسيته وتذبذبه السريع، لا بل يتحدى أكبر المضاربات في الأسواق العالمية لأن الرقم يتزايد، ويتناقص (المدة الزمنية المحددة للاستبدال تتضاعف والرقم يكمل بتزايده وتناقصه غير المفهوم من قبل المواطن. على سبيل المثال أمامك 120 مستفيداً ليأتيك الدور بعد يومين، والطبيعي أن يكون مثلاً أمامك مئة وتفاجأ بالعدد 160 وقد تمرّ فترة تتجاوز الشهرين أو الثلاثة حتى دون أن يبلغك الدور، فانظر يا رعاك الله!). ونحن الآن على مشارف شهر رمضان الكريم الذي بالأحوال العادية له ميزانيته ووضعه الخاص، فكيف في ظلّ ما نشهده من ارتفاع للأسعار واختناق اقتصادي يصيب العالم بأسره.

إن ما تحاول الحكومة القيام به من محاولة التعويض على المتضررين أمر نتمنى أن يؤتي ثماره بأسرع وقت بشكل إيجابي يخفف هذا الضغط والاختناق، وألا يقع بمطب البطاقة الذكية والتجمهر الحاصل حول مؤسسات توزيع السلل الغذائية. نتمنى للحكومة الوصول إلى بغيتها والتخفيف عن المواطنين وتجاوز هذه الكارثة الإنسانية بأنجع الوسائل والطرق، فأهم ما يمكننا أن نسعى إليه في المرحلة هو الحفاظ على الأرواح دون حدوث انتكاسات يخشى الجميع وقوعها، وقد يكون في هذه الإجراءات ومحاولات العمل المجتمعي ما يخفف من وطأة هذه المرحلة علينا جميعاً.. متمنياً في ختام مقالتي النجاح للتشريعات والإجراءات الحكومية بما يضمن حياة كريمة للمواطن السوري الذي يستحق بعد صموده ومعاناته أن نضمن له ذلك متكاملين ومتكافلين أفراداً ومؤسسات.

العدد 1102 - 03/4/2024