فليرحل اللُّصوص ومصّاصو الدِّماء!

إيناس ونوس:

مرَّت سنوات الحرب على المواطن السُّوري مشابهةً للمثل الشَّائع ( مثل قرط الصُّوّان)، فقد ترافق الرُّعب والهلع من الموت بنيران الحرب وقذائفها المباغتة، مع الخوف المتواصل من الموت جوعاً وبرداً، وانقطاع الكهرباء، وفقدان المازوت والغاز، والعديد من الأدوية، واختفاء مفاجئ للمنتجات والسِّلع من السُّوق الرَّسمية، بينما تتوفر، بلمحة عين، في السُّوق السَّوداء بأسعارٍ تفوق بأضعافٍ مضاعفةٍ سعرها المحدَّد من قبل الحكومة، التي تخلَّت شيئاً فشيئاً عن مسؤولياتها تجاه من يفترض أن ترعاهم وتؤمِّن لهم مستلزماتهم، وتركتهم في مهبِّ رياح استغلال التُّجار والسَّماسرة ومصَّاصي الدِّماء ممن استغلوا هذه الفترة والنُّقصان الحاصل في احتياجات النَّاس، ووجدوا فيها الفرصة المواتية لزيادة أرباحهم ومكاسبهم وثرواتهم، فكانوا السَّبب الأول في ذلِّ النَّاس ومهانتهم، ومحاربتهم بلقمة عيشهم ودواء أبنائهم، وانتشار مظاهر لم نكن نتخيَّل أن نراها في الشَّارع السُّوري، كالبحث في حاويات القمامة عمَّا يسدُّ رمقهم ومن معهم، أو انتشار الدَّعارة بشكلٍ فجٍّ، وعمالة الأطفال بصرف النَّظر عن الاتفاقيات الدَّولية الملزِمة.

اليوم، وبعد أن انتظرنا، بفارغ الصَّبر، انتهاء الحرب لنحظى بالسَّكينة ورغد العيش، تعويضاً عمَّا مررنا به سابقاً، نجد أننا وصلنا إلى مرحلةٍ نقول فيها بالصَّوت العالي: ليتنا بقينا في تلك الحقبة! فجشع التُّجار وطمعهم، وتخلِّي الحكومة عن كلِّ مسؤولياتها، ورمي الحمل كاملاً على كاهل المواطن الذي لم يعد بيده حيلة، كأنه المسؤول الوحيد عن الكوارث التي تلاحقه كلَّ يوم، وكأنَّه من يخترع الأزمات واحدة تلو الأخرى، فلا يخرج من واحدة إلاّ لتلحق بها الأخرى، حتى وصلنا إلى العديد من الأزمات في آنٍ واحد، بحكم عمليات التَّجريب المتعمَّدة وغير المدروسة، وكأننا فئران تجارب نعيش فقط خدمةً لصالح مختبرات اللُّصوص ومصاصي الدِّماء الذين لم يعد يُشبع نهمهم شيء البتّة.

وها هي ذي أزمة انتشار فيروس (كورونا) التي أجبرتنا على المكوث في المنازل، قد أتت لتكمل علينا، وكانت ذريعةً لخنقنا أكثر فأكثر، فكأنَّ عمليات الحجر المعمول بها مطلوبةٌ فقط من المواطنين، بينما تعتبر الجهات المعنية نفسها غير مسؤولة عن تأمين المستلزمات اليومية الضَّرورية للمواطن، والتي بحجّتها يخرج للسُّوق فيزداد الازدحام بدلاً من أن يتناقص، فالمواد، وإن أتيحت، في مؤسسات الدولة، ما على المواطن إلاّ الانتظار لساعاتٍ وساعات حتى يصل أو لا يصل إلى مبتغاه، بينما نجدها متوافرةً في السُّوق وبكثرة، إنما بأسعارٍ لم يعد بالمقدور مجاراتها، لاسيما لأصحاب المهن التي تعطَّلت بحكم الحجر، إذ يعيش أصحابها على المدخول اليومي، وهم اليوم عاطلون عن العمل.

والسُّؤال الذي لا جواب عليه، إلى متى؟

إلى متى سنبقى نحن من يدفع ثمناً لكل أزمة؟

إلى متى سيبقى المواطن السُّوري مَن عليه أن يجد الحلول لكل ما يلحق به من أذى، ولا من مساعدةٍ من أحد؟

ولماذا؟

لماذا قُدِّر علينا أن نعيش دوماً راكضين وأبسط حقوقنا تركض أمامنا ولا نطولها؟

لماذا كلَّما عشنا بعضاً من الأمل بغدٍ أفضل يأتي مصاصو الدِّماء ليقضوا على كل أحلامنا وآمالنا؟

ألسنا بشراً ومن حقنا العيش الرَّغيد في بلدٍ لو لم يقم عليه اللُّصوص وتجار الأزمات، لكان مكتفياً بكل شيء، ولسنا بحاجة إلى مدِّ اليد لهذا وذاك، أو الهجرة والرَّحيل بحثاً عن معيشةٍ أفضل؟؟

نعم، نحن مواطنون يحق لنا العيش بكرامة، وآن لنا أن نطلب ممّن يطالبوننا كل يومٍ بالمزيد والمزيد، أن يرحلوا ويتركوا ما بقي لنا من حلمٍ وأمل، ونحن كفيلون بأن نحسِّن وضعنا بكل نواحيه، ما سينعكس حتماً بالإيجاب على هذا البلد الذي أحببناه وسنبقى نحبه رغم الثَّمن الغالي الذي ندفعه مع كل نفَسٍ من أنفاسنا.

العدد 1104 - 24/4/2024