تاج من ذهب

ماري مرشد:

لم يكن بالعادة أن يمرَّ يوماً في الصباح الباكر لا أشمُّ فيه رائحة القهوة من بيت العم أبو حكمت، حينما كنت أتوجّه إلى مدرستي منذ الطفولة وحتى بعدما أصبحتُ في الجامعة، فقد كانت رائحة البن المحمّص الزكية تملأ عنان السماء وتهرع لكل أنف يمرّ بالقرب من ذاك البيت العربي الجميل، وكأن ملامح الصباح لا تبدأ إلا من هذا البيت ومعالمه التي تشي ببعض الجمال ونكهة الصباح.

نعم، إنها النكهة الرائعة التي كنت أتلذّذ بها وأستقبل بها يومي مع صوت فيروز أيضاً.

اعتدت على ذلك كل يوم، واليوم الذي لا أستيقظ فيه باكراً أسأل ما إن كانت رائحة القهوة قد غمرت المكان أم لا، ودائما كانت الإجابة ذاتها، بالطبع رائحة القهوة عابقة وتصل إلى بيتنا المقابل لبيت أبو حكمت العجوز، إلى أن نهضت يوماً وأحسست بأن هناك شيئاً ما ينقصني، حاولت إبعاد الفكرة عن خلدي، ولكنها باتت تضايقني إلى أن علمت السبب، فقد كنت أبحث عن رائحة القهوة ولم أجدها وأكذّب نفسي وأقول هل فقدتُ حاسّة الشم أم أنا مريضة؟

 أمضيت يومي بسرعة وعدت إلى البيت متلهفة لأعرف السبب، وكانت صدمتي كبيرة حين علمتُ أنه نُقل أبو حكمت إلى المستشفى بعد أن ازداد وضعه سوءاً، وأصبح غير قادر على ممارسة أعماله اليومية، فمرض القلب أنهكه ومنعه من مزاولة نشاطه الصباحي الدائم، شعرت حينئذٍ بوجع كبير يمسّ روحي لتعلقي بعاداته تلك كلّ صباح ولخوفي الأكبر عليه، ماكنت أعلم ماذا ستحمل له الأيام وكيف لهذا الشيء أن يضعفه، كنت كل يوم أدعو له بأن يتعافى ويصبح بخير، لأن كل يوم كان يمرُّ عليه أصعب من الذي قبله، فربما لأني تعوّدت أن أراه نشيطاً ما حسبت يوماً أنني سأفقد محياه، لكن للأسف فقد حصل ما كنت أخشاه، غادر العم أبو حكمت الحياة تاركاً ذكراه مغروسة في مخيلتي.

وربما نحن كبشر لا نعلم أهمية الصحة وأنها فعلاً تاج على رؤوس الأصحاء، من الصعب إدراك قيمة ذلك إلاّ بعد أن نرى من نحب يسقط أمامنا ولا ندري ما الحل وكيف العلاج، أو كيف وصل المرض إليه، فالمقرّبون لا ينتبهون لعاداته وأسلوب حياته، ولا لصحته التي قد ينخفض لديه معدل أي فيتامين أو يعاني من مشكلة جسدية وأهملها، ولهذا سوف تتراكم وتتزايد المشاكل دون أن يعلم هو أو المحيطون به بذلك.

ولأهمية الصحة في حياة الإنسان والدول خُصص السابع من نيسان من كل عام يوماً عالمياً للصحة وتُعرّف وفق منظمة الصحة العالمية بأنها (حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز)

وتهدف المنظمة إلى بناء مستقبل أفضل وأوفر صحة للناس في أنحاء العالم كافة. وتسعى جاهدةً إلى مكافحة الأمراض المعدية مثل الأنفلونزا وفيروس العوز المناعي البشري المكتسب، والأمراض غير السارية، من قبيل السرطان وأمراض القلب، ومساعدة الأمهات والأطفال في البقاء على قيد الحياة والتمتّع بالرخاء لكي يتسنى لهم أن يتطلعوا إلى التمتّع بالصحة في مرحلة الشيخوخة، وتكفل سلامة الهواء الذي يتنفسه الناس وأمان الطعام الذي يتناولونه والماء الذي يشربونه، والأدوية واللقاحات التي تلزمهم.

العدد 1105 - 01/5/2024