أطفالنا أيضاً يستحقون الحياة

إيناس ونوس:  

وصُن ضحكة الأطفال يا ربِّ إنّها    

إذا غرّدت في ظامئ الرمل أعشبا

إن ضحكة طفل واحدة قادرة على بثّ السعادة بما لا يمكن تخيّله، إلاّ أن أطفالنا/ أطفال بلادي افتقدوا الكثير من براءتهم وطفولتهم التي لم يبقَ منها إلاّ التقدير الزمني المعني بتحديد سن الطفولة حتى الثامنة عشرة حسب المسمّيات الدولية!

فواقعٌ كالذي نحياه بعد تلك الحرب المأساوية، يجعل الطفولة تفقد كل معانيها، وأسماءها وصفاتها، لأن أطفالنا تحولوا إلى رجال ونساء مستعدّين لمجابهة الموت اليومي متعدد الألوان، سواء من تبعات الحرب أو من البرد أو الحرّ أو الفقر المُدقع، وانعدام أبسط حقوق الإنسان كالماء والكهرباء والخبز والتعليم والصحة… إلخ.

نعم، لقد أصبح ذاك الطفل الصغير رجلاً مُكلّفاً برعاية شؤون إخوةٍ أصغر منه سناً، أو أبوين باتا فاقدين القدرة على القيام بمهامهما تجاهه فيرعاهما بدلاً من أن يرعوه! وقد أمست تلك الطفلة في غفلةٍ منها أمّاً وأختاً ومدرّسةً ومربيةً وعاملةً تسعى لاهثةً وراء رغيفٍ يقيها ومن معها مُرَّ الجوع! وبعضهم أضحى وسيلةً للابتزاز من قبل التجّار معدومي الضمير، الذين يستغلون ظروفهم ليدفعونهم للعمل بأقذر الأعمال، وليس أقلّها قذارةً إجبارهم على العمل، أو الانتشار في الشوارع لمد اليد مردّدين بعض كلمات الاستعطاف والاستجداء لمن يعطيهم بضع ليراتٍ، يأخذها منهم في آخر اليوم من أرسلهم لهذه الشوارع الملأى بكل ما هو بعيدٌ كل البعد عن شروط الحياة الإنسانية، هذا إن لم نتطرّق لتشغيل الأطفال في مجال الدعارة وبوقتٍ مبكّرٍ جداً من أعمارهم، أو الاتجار بالمخدرات، وغيرها من الأعمال المُشينة للكبار، فما بالنا والحال هكذا للأطفال؟!

يحتفل العالم بعيد الطفل العالمي، في حين أننا نبحث عن الطفولة الضائعة والمُغتالة، ليس لأننا لا نحب أطفالنا ونتمنى لهم أفضل ما يمكن، بل لأن الحياة التي نحياها أنستنا أنفسنا، وجعلتنا لا نرى أمامنا إلاّ تلك الأجساد الصغيرة التي تحمل من الهموم ما لا يستطيع أيُّ بالغٍ في تلك الدول التي لا تزال تحتفل في كل عام على تحمّلها.

وتأتي الاتفاقيات الدولية لتذكّرنا بالجرائم المرتكبة تجاه الأطفال! يا للمضحك المبكي!

من المجرم هنا ومن الضحية؟ ومن القاضي الذي سيقضي بإحقاق الحق وإنصاف تلك الطفولة وانتشالها من براثن الموت المُحتّم؟ هل المجرم هو ذاك الأب الذي ضاع في الحرب فمات أو قُتل أو أُسِر أو هرب لاجئاً في دول العالم باحثاً عمّن يحميه، تاركاً خلفه أطفالاً كانوا بالأمس صغاراً، مُتذرّعاً برغبته بحمايتهم من هول الحرب وبحثاً عن ملجأ آمنٍ لهم في المستقبل!؟ أم تلك الأم التي لا تعرف من يومها إلاّ عدِّ الساعات بين عمليها الأول والثاني لتجمع بعض المال لتُطعم فيه فراخها، أو التي لم تستطع تحمّل مسؤولياتها فرمت كل شيءٍ خلفها ومضت تاركةً (الشقا على مين بقى)، أم أولئك الذين غذّوا نار الحرب ويغذون نيران ما بعدها في كل لحظةٍ بالرصاص غير المرئي _ رصاص الفقر والحرمان الناتج عن رفع الأسعار بجنونٍ لم يسبق له مثيل _ بأثمان لو وضِعَ جزءٌ يسيرٌ منها لإنقاذ هؤلاء الأطفال لكان عدد من تمَّ إنقاذهم كبيراً، أم هو الطفل نفسه العامل والمُشرّد والمتسوّل وووو إلخ، فأين الأعراف الدولية التي تُذكّرنا مُجدداً بضرورة محاربة كل الجرائم المرتكبة بحق الطفولة، من كل هذا؟

عذراً من كل الهيئات الدولية، فلتجدوا لكم مجالاً آخر للكلام فيه غير التكرار وتعداد أنواع الجرائم المرتكبة بحق الطفولة كعمالة الأطفال التي خصصتم يوم 12 حزيران من كل عام للتذكير بخطورتها وغيرها الكثير، ما دمتم لستم بقادرين على حماية طفلٍ من الاغتيال أو الاعتقال أو الخطف أو الموت جوعاً قبل الموت بالرصاص.

وأنتم يا من تحتفلون هذا العام بيوم الطفل العالمي… عندما تتفوهون بعبارة (عام سعيد)، فلتذكروا أمام أطفالكم الذين يحق لهم الاحتفال أن غيرهم من أطفال العالم يموتون من أجل استمرارية حكوماتكم الموّقرة التي تصون حقوقكم وترعى طفولتكم!!

فلتذهب الأعراف والمواثيق الدولية أدراج الرياح أمام عيون أطفالنا البائسة التي لم ترَ النور ولن تعرف يوماً معنىً للحياة الحرّة الكريمة، لطالما أنكم تُغنون في وادٍ، وما يعيشه أبناؤنا يجري في وادٍ آخر، بالرغم من تمسكنا بالأمل الذي تزرعه في أرواحنا نظرة واحدة من عيون فلذات أكبادنا الذين يحق لهم العيش ويستحقون حياة أفضل وأجمل.

العدد 1105 - 01/5/2024