أبناء القهر

وعد حسون نصر: 

أبناء القهر.. هم أطفال سورية الذين صنعتهم الحرب وساهمت في تركيب أفكارهم، ولم تتردد لحظة في افتراسهم، ومن نجا من حممها لم يسلم من فكّي فسادها وإجرام أسيادها، لذلك كان للأطفال الحصّة الأكبر من حرب الكبار، تشوّهت أفكارهم من لغة الحرب وأدواتها، ألعابهم باتت قتالية، وبدل أن تكون مضرباً وريشة وكرة، أضحت عبارة عن مسدس وبندقية، زُجّوا في التجنيد وأصبحوا أداة الحرب اليافعة، استُخدِموا دروعاً بشرية لتمرير صفقات وحماية أسياد الحرب، تاجروا بأعضائهم فأصبحوا أشلاء متناثرة في كل بلد قطعة تحكي حكاية الموت الغافي بعروق الطفل السوري، عَصَبوا عيونهم بالوشاح الأسود، فلم يعد للربيع لونه الأخضر في قصص الطفولة ولا أزهاره البيضاء والصفراء والحمراء، زرعوا سُمَّ الطائفية في قلوبهم، فبات التعصّب والتكفير سيّد أفكارهم وغرّدت به ألسنتهم بلا وعي لما ينطقون، أغرقوهم في مستنقع الجهل وباتت المدرسة في نظر كل طفل عبارة عن مركز إيواء، هذا هو حال أبناء القهر السوريين والعالم يحتفل بيومهم العالمي!

بعد كل هذا التشوّه الفكري والنفسي والقيمي لأطفالنا، علينا_ الأهل والمجتمع والمدرسة والمنظمات الإنسانية والحكومية_ ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الواقع الفظيع، أو تجاه مستقبل أطفالنا، جيل المستقبل ونبض الغد، لذلك لا بدّ من إعادة كل طفل في سنّ المدرسة إلى مقاعدها ليبدأ برؤية النور من جديد، كذلك لابد من افتتاح مراكز للإرشاد والتأهيل النفسي مهمتها إعادة ترميم النفوس التي مزقتها الحرب. ولا بدّ من إحداث مراكز للأحداث داخل السجون لتقويم سلوك من غُرّرَ بهم وهم في سنّ المراهقة، ولتكن تلك المراكز تحت إشراف مختصين حتى يتمكنوا من غرس بذور خير ونقاء جديدة في نفوس أطفالنا. أيضاً لا ضرر من إقامة مهرجانات للتسلية والمرح واللهو والربح والفائدة والمتعة روّادها الأطفال، وقبل هذا وذاك لا بدّ من إعادة تأهيل الأسرة بحدِّ ذاتها، فهي نواة المجتمع والحاضنة لهؤلاء الأطفال، ولا ننسى أن أساس هذه النواة هو الأم لأنها مدرسة يستمد منها أبناؤها القيم والأخلاق، وللحكومة الدور الأول والأخير في ضمان حق من نجا من براثن الحرب من أطفال، ولم يجدوا مأوىً لهم، بأن تؤمّن لهم المأوى والعلم والمصروف والطعام والشراب، وليكن لوزارة الشؤون الاجتماعية الدور الأكبر في هذا الشأن خاصّة أن نسبة كبيرة من المتسولين في الطرقات هم أطفال، الأرض فراشهم والسماء غطاؤهم، إضافة إلى أولئك العاملين بمهن لا تليق بضعفهم الجسدي وطفولتهم الغضّة. لذلك لا بدّ من العمل جميعاً يداً بيد لنبني جيل المستقبل وجسر العبور إلى حياة رغيدة وأفضل لأبنائنا بكل المراحل، ولا ننسى أن الطفولة زهرة الربيع المشرق بشمسه وألوانه.

العدد 1105 - 01/5/2024