الطفولة السورية بين قهر الواقع.. والأمل بالمستقبل

إيمان أحمد ونوس: 

لا شكّ أن مستقبل أيّ بلد منوط بحاضر أطفاله ومستقبلهم، لأنه يحمل سماتهم بكل ما فيها من تباينات وتناقضات، فأطفال اليوم هم شباب المستقبل الذين سيبنون صروح الحياة بكل أبعادها، إذا ما عملت الحكومات على بنائهم النفسي والقيمي والعلمي، وذلك من خلال منحهم احتياجاتهم ومستلزماتهم الحياتية كافة وحقوقهم التي نصّت عليها اتفاقية حقوق الطفل، فقد جاء في المادة 3/1:

–      في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى.

غير أن ما شهدته الطفولة في سورية، وما تزال على مدى سنوات الحرب، يندى له جبين البشرية والتاريخ، فما تعرّض له الأطفال من قتل وخطف وتهجير ونزوح وموت مجاني، وما لاقوه رعباً وهلعاً حقيقيين استوطنا الذاكرة وتشبثا بنسغ الشخصية التي ستحتاج إلى زمن وجهد غير قليلين من أجل أن يتعافى أولئك الأطفال من ويلات الحرب وتبعاتها بكل أبعادها.

والسؤال المُلح اليوم، باعتبار الأول من حزيران هو اليوم العالمي للطفل وكذلك اعتبار الأمم المتحدة يوم 12/6 من كل عام يوماً عالمياً لمناهضة عمالة الأطفال، هو: ما قيمة كل الاتفاقيات والأيام الدولية لحقوق الطفل أمام هذا الواقع المُزري لأطفال سورية، الذي يضعنا جميعاً أمام محاكمة وجدانية مُقيّدة وعاجزة عن فعل أيّ شيء سوى الحسرة والألم والقهر على أطفال يفتقدون أدنى شروط الحياة، في زمن الحضارة والعولمة التي تجاوزت كل الحدود لتصنع من مآسيهم مادة إعلامية- إخبارية تتصدّر دوماً الأخبار وصفحات الجرائد العالمية مُشكّلة سبقاً صحفياً قد يفوز من خلاله بجوائز عالمية لا يطول منها أولئك الأطفال المشردون سوى أنهم المحور الأساس، دون أن يحرّك هذا الوضع الضمير الإنساني من أجل الوصول إلى نتيجة تأخذ بيد أطفال سورية فتُعيدهم إلى بيوتهم ومدارسهم، وتُعيد إليهم بعضاً من طفولتهم المهدورة في شوارع التسوّل والتشرّد والتسرّب المدرسي بغية عمالة غضّة تسعى بكل السبل للحصول على ما يسدُّ الرمق الأخير؟!

ألا يستدعي الوضع المأساوي لأطفالنا أن نُحيّد كل الأمور والقضايا جانباً من أجل تقديم بعض العون والمساعدة لمن يشكلون مستقبل البلاد الذي سيكون مظلماً إن تركناهم وحيدين يواجهون كل تلك العواصف والمآسي؟ ألا يستدعي هذا الواقع من الحكومة أولاً إيلاء الطفولة ما تستحقه من اهتمام يوازي الاهتمام بنهوض اقتصاد البلاد وأمنها، من خلال ترميم المدارس وبناء مدارس جديدة تستوعب كل الأطفال بحيث لا يبقى هناك طفل مشرّد أو متسول أو عامل. فالأولوية للمدارس مثلما هي للمصانع والمعامل كي تنهض البلاد من رماد موتها وقهرها وبؤسها؟ ألا يستدعي هذا الواقع من المجتمع الدولي إيجاد حلٍّ عادل وسريع للمسألة السورية بدل العقوبات المختلفة التي أول ما تؤذي وتُدمّر وتُعيق هو أطفال سورية ومستقبلهم؟ على المجتمع الدولي أن يكون وفيّاً لمبادئ إعلان حقوق الطفل واتفاقية الطفل الدولية التي ما وضِعَتْ إلاّ من أجل طفولة آمنة تُعزز كرامة الإنسان في الحياة، فيغدو الاحتفال باليوم العالمي للطفل واقعاً حقيقياً بعيداً عن البروتوكولات الرسمية؟

العدد 1104 - 24/4/2024