برغم كل المأساة… لا نزال نحلم ونتمنى

إيناس ونوس:

أُطلِق عليها اسم السُّلطة الرَّابعة، لما تمتلكه من إمكانية الوصول إلى الحقيقة، ولما لها من تأثير في الرَّأي العام، وقدرة على تحريك كُبرى القضايا التي تمسُّ الصَّالح العام. تنوعت طرق وآليات العمل فيها حتى وصلت في أيامنا هذه إلى أن يُمسي كل شخصٍ قادراً على المشاركة بالعمل في مجالاتها المختلفة في ظلّ التِّقنيات الرَّقمية والتُّكنولوجيا، بالتَّزامن مع ضرورة وجود الكوادر المعنية والمؤهَّلة والمتخصصة، والتي تُعتبر من أهم مهامها الحفاظ على معايير وأدوات العمل الصَّحيحة والدَّقيقة، وأولها المصداقية والشَّفافية والبُعد عن المُحاباة والكرامات والعلاقات الشَّخصية وغيرها.

لذا، نجد اختلافاً واضحاً وملموساً بين صحافةٍ هنا وأخرى هناك، ما يجعل المُتلقِّي مُنحازاً لمن يعمل بشكلٍ مؤسساتي مُنظَّم يوصله إلى الحقيقة التي يبحث عنها قدر الإمكان، علماً بأننا إن أمعنّا النَّظر وتمحّصنا جيداً لوصلنا إلى حقيقةٍ مفادها أن كل المؤسَّسات الصَّحفية على السَّواء، لا بدّ لها أن تلتزم بخطٍ معينٍ يتوافق أولاً مع هذا التَّيار أو ذاك، وبناء عليه تكون نتائج عملها ومقدار صوابية أخبارها التي تبثّها، غير أن الاختلاف يكون في طريقة طرح الخبر أو إظهار الانتماءات.

وبناء على ضرورة أن يبقى العمل الصَّحفي بعيداً عن القيود والرَّقابة جرى الإعلان في عام 1985 عن منظمة مراسلون/ صحافيون بلا حدود، كمنظمة غير حكومية تهدف لحرية الصَّحافة وحرية تداول المعلومات، مُتَّخذةً من باريس مقراً لها، وقد انضم إليها العديد من الصَّحافيين انطلاقاً من قناعتهم بأهمية عملهم على مستوى العالم ككل، ومنهم من دفع حياته ثمناً لهذا الغرض.

تحتفل هذه المنظَّمة في الثالث من أيار في كل عام باليوم العالمي لحرية الصَّحافة، إلاّ أن تقريرها لهذا العام يُسلِّط الضَّوء على أهم مشكلة تعاني منها الصَّحافة العالمية ككل، ألا وهي أن حرية الصَّحافة باتت مقيَّدة في أيامنا هذه أكثر من ذي قبل. وممّا جاء في التَّقرير: (إن حرية الصحافة تواصل تراجعها في العديد من الدول، وقد باتت المناطق الآمنة للصحافيين نادرة… وإن وتيرة الكراهية ضدّ الصحافيين تتصاعد لدرجة وصولها حدّ العنف، ما يجعل العاملين في هذا المجال يشعرون بالخوف الدائم وعدم القدرة على الاستمرار بعملهم، ومن ثمّ الاستسلام للرقيب الذاتي أو التوقف عن الكتابة نهائياً خوفاً على حياتهم، لاسيما في ظلّ الأنظمة الاستبدادية). كما أشار التقرير إلى أن 24 بالمئة فقط من 180 بلداً حول العالم تمت دراسة وضع صحافتها هذا العام، تبدو في وضع أقرب إلى الجيد لحرية الصحافة مقابل 26 بالمئة في العام الماضي.

هذا على مستوى العالم برمَّته، ولا نظن أننا في بلادنا أفضل حالاً من غيرنا فيما يتعلق بهذا الشَّأن، فالصَّغير قبل الكبير بات يُدرك أن كلمةً واحدةً يمكن أن تودي بقائلها إلى ما وراء الشَّمس، وأن غالبية العاملين في هذا المجال أبعد ما يكونون عنه نتيجة التَّعيين القائم على الواسطة والمحسوبية، وأن الرَّقابة شديدة إلى أبعد الدَّرجات حتى أنها باتت في داخل كل منّا، ما حوَّل صحافتنا سواء المقروءة أو المرئية أو المسموعة إلى مجرّد عملية صفّ كلام لا أكثر، وأبعدَ الجمهور المتلقي كثيراً عن تصديق ما يُطرح له، خاصّة في ظلّ وجود النت الذي لا يُخفي شيئاً، بالرَّغم من كل التَّضييق أو الحجب للكثير من المواقع. غير أننا وكما على كافة الصُّعد، لا نزال نحلم ونُطالب بصحافة سورية حرّة أقرب إلى الواقع، تستفيد من الكمّ الهائل للخبرات الشَّابة وغير الشَّابة القادرة على الانتقال بعملنا الصَّحفي من مجرد عمل وظيفي كغيره من الوظائف إلى عملٍ فعَّال وحقيقي وحيّ، ينعكس بالإيجاب على المصلحة العامة من خلال تطوير آليات وطرق وأدوات العمل التي يدرسها طلاب كلية الإعلام الرَّسمية، الذين يتخرجون وفي جعبتهم الكثير من الآمال والأفكار، يدفعهم النَّشاط لتصحيح العمل، إلاّ أنهم بعد عامٍ واحدٍ على أبعد تقدير يستسلمون منكفئين على ذواتهم وقد خمدت أحلامهم وتحوَّلت آمالهم إلى غير مكان.

العدد 1105 - 01/5/2024