الحـريـة.. حـق مقـدّس للصحفيـين

حسن البني:

يحتفل العالم في الثالث من أيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي حددته منظمة اليونسكو إحياءً لذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي أُقرّ في اجتماع للصحفيين الأفارقة في الثالث من أيار عام 1991. ولذا، تخصص الأمم المتحدة هذا اليوم للاحتفاء بالمبادئ الأساسية وتقييم حال الصحافة في العالم، وكذلك تعريف الجماهير بانتهاكات حق الحرية في التعبير، والتذكير بالعديد من الصحافيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهماتهم لتزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية.

وحرية الصحافة أو الصحافة الحرة هي الضمانة التي تقدمها الحكومات لحرية التعبير، وغالباً ما تكون تلك الحرية مكفولة وفق دستور البلاد. كما أنها مرتبطة بالسياسات الإعلامية لدى الحكومات والمؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء العالمية التي تتحكّم بتدفق الأخبار والمعلومات في العالم. أمّا في بلادنا، وشأنها في ذلك شأن العديد من الدول العربية، التي تعوّدنا فيها على تقييد حرية الرأي الشخصي والعام، فنلاحظ أن الحرية فيها مصطلح فضفاض، لأن مرجعيته الأولى والأخيرة هي سياسة الوسيلة الإعلامية وإيديولوجيتها وتوجهها الذي يلعب دوراً كبيراً في تكوين الرأي العام وتشكيله حول قضية ما قد تكون جدلية وفي فترة زمنية معينة، فهامش الحرية هنا لا يستطيع الخروج عن الرقابة الحكومية وسيطرتها على وسائل الصحافة والإعلام والنشر، وحتى لو وجدت وسائل إعلام وصحف خاصة، تجد نفسها مُجبرة على التزام النهج العام للبلد الذي تصدر فيه، حتى لو أدى ذلك إلى طمس الحقائق أو صياغتها بما يتناسب مع سياستها، وفي هذه الحالة يصبح الصحفي الممتهن أمام معضلة أخلاقية، تجعله يُفكّر ألف مرة قبل أن ينشر أي خبر أو رأي شخصي.

إن حرية الإعلام اليوم هي شيء غير حقيقي، كما لا يوجد في عالم الصحافة ما يسمّى حيادية أو موضوعية مُطلقة، لذلك تتلاشى الصحافة الحرّة مع خلوها من القيم الصحفية والخبرية التي يجب أن تقوم عليها أيّ صحافة في العالم، فهي اليوم أداة دعائية في يد السلطات الحاكمة، حتى تلك التي تدّعي الحرية، إذ نجد مؤسساتها الإعلامية تقوم بتنفيذ أجندات خفية، لها أهداف معينة منها مثلاً تدمير بعض الدول أو الشعوب، وكذلك نشر الثقافات المعادية، ومن أشهرها إمبراطورية (روبرت مردوخ) المالك لأكثر دور النشر والمؤسسات الصحفية في العالم، فهو من ساهم بانتشار الصحف الصفراء مثل صحيفة (الصن) البريطانية التي تسعى لإثارة القارئ وتحقيق الربح السريع عن طريق الإعلانات التجارية التي تطغى على المواد التحريرية. وهنا، من المستحيل أن نجد صحافة حرّة دون أن تكون مرتبطة بسياسة أو فكر ما، فالصحافة الحرّة لا تعني عدم التزام المسؤولية الاجتماعية، أو عدم وجود قيود تمنعها من الانزلاق في الفوضى.

في النهاية الصحافة سلاح ذو حدين، وينبغي على الصحفيين أن يكونوا على مستوى من الأمانة الصحفية كي لا ينجرفوا بالتيار اللأخلاقي، وألاّ يتنازلوا عن حقهم في الوصول إلى صحافة حرة ومسؤولة عمّا تنشره من حقائق ومعلومات أساسها النزاهة والواقع.

واليوم العالمي للصحافة الحرّة يُذكّرنا بالصحفيين الذين جاهدوا لبلوغ هدفهم الأسمى، وهو خدمة الإنسانية وتنوير الناس بالحقيقة، بغضّ النظر عن أي انتماء أو عرق.

العدد 1105 - 01/5/2024