الصحـافة العربيـة “أمير الأحـزان”.. وآه يا حنـان!

سامر منصور:

الدول العربية بلاد التضحيات الجسام في سبيل الحرية.. لكن عن أيّة حرية نتحدث؟! ما نلمسه اليوم هو حرية الطبقة المُتنفّذة في كل بلد عربي بنهب خيرات البلاد عبر شبكات الفساد والاحتكار، ويُترَك للمواطنين حرية الطريقة التي يريدون أن يكدحوا فيها بغية تحصيل لقمة العيش فقط. شعوب مكتومة الصوت، يُزَيَّفُ لها صوت ويُنسب إليها، صوتٌ يُسبّح بحمد البؤس والظلم في توزيع موارد البلاد وخيراتها، ويُمجّد المسؤولين العرب النمطيين والمؤسسات العربية العرجاء.

إنها الصحافة العربية، حنجرةٌ حبالها الصوتية بيد الطبقة المُتَنَفِّذة. بل هي الناي المسحور الذي يريد عازفه أن يقود الجميع خلفه إلى حيث يشاء، إلى هاوية لهم وارتقاء ومغنم له. إن قرأت الصحف في بلد عربي ما، تحسب نفسك في بلد يفوق سويسرا والنرويج وغيرها رفاهاً وتنظيماً، ويتمتّع بقيادات تفوق صحابة الأنبياء صدقاً وقيماً. وما إن تسير في أي شارع عربي حتى تكتشف كم هناك حرية للصحافة في تزوير الواقع وتكريس أيديولوجيا طوباوية، وكم هي كبيرة الهوّة بين الصحافة الرسمية والواقع!

لعلّ شعار صحفنا العربية التي تُشكّل أيقونة عالمية في الارتزاق والابتذال والنمطية والأداء الكورالي، شعارها: (الدنيا ربيع، والجو بديع، قفّلّي على كل المواضيع!). وأما سياسياً فلا يمكن تشبيه علاقتها بالنظام العربي التي تصدر في كنفه إلاّ بعلاقة أمير الأحزان بحنان. وشعارها (آه يا حنان) وليست الصحافة الثقافية، رغم كونها أفضل بكثير من بقية المجالات، باستثناء. فدائماً فعالياتنا ناجحة وشعراؤنا وطنيون مبدعون، ومؤلفاتنا مرآة للوجدان الجمعي. هكذا تتعاطى الصحافة الثقافية مع الحدث الثقافي بالتمجيد والتطبيل رغم أن جُلَّ فعاليات اتحادات الكتاب مثلاً ذات حضور شحيح وليس لديها جمهور من خارجها، كمن يُحدّث نفسه، وأمّا مهرجانات وزارات الثقافة الأدبية ومحاضراتها وندواتها في أيّ بلد عربي، فمن يحضرها لا يعادل نصف عدد الحضور في حفل زفاف لرجل كهل يتزوج للمرة الرابعة، ورغم وجود قطعان من مُدَّعي الألقاب كالشعراء والقاصّين والكتّاب المزعومين، ورغم كثرة النُقّاد المُرائين بابتذال، ووجود فعّاليات فاشلة لا تعدو كونها (لمّة أقزام)، تتمُّ عمليات التجميل والمكياج الصحفية لكل هذا وبشكل تلقائي وكأن الصحفيين مُبرمجين على الكذب وتلميع الصورة.

هذه هي حرية الصحافة التي نلمسها ونعرفها، حرية خلط الحابل بالنابل والتزييف. ولعلّ السؤال الذي يتوارد إلى الأذهان هو، متى ستمتلك الصحافة العربية حرية تُخوّلها أن تكون سلطة رابعة؟

مهلاً هل قلنا سلطة رابعة؟! ما هو حال السلطات التي تسبقها إذاً؟ هل هناك فصل حقيقي بين السلطات كشرط من شروط إقامة الدولة الحديثة؟ هل السلطة القضائية مستقلة؟ لا أدري لماذا نتحدث عن السلطة الرابعة في بلاد العرب التي ليس فيها سلطات، بل سَلَطات (بفتح السين) تساعد حيتان الفساد والتسلّط في كل بلد على بلع حقوق الشعب في كواليس لمسرحية مبتذلة عنوانها دولة، وجوهرها ما تعلمون!

العدد 1104 - 24/4/2024