حاجةٌ ملحةٌ.. وليست ترفاً

إيناس ونوس: 

صديق لحظات الوحدة.

الغني عن التعريف به وهو المعرِّف والمعرَّف.. رفيقنا منذ تفتّحت عيوننا على الدنيا وخطونا أولى خطواتنا في دروب العلم والمعرفة والثقافة.

كان والديَّ حريصين كل الحرص على الحصول على كل كتاب يزيد من ثرائنا الفكري والمعرفي، من مختلف الألوان الثقافية والعلمية، ممّا جعلنا نترعرع  مع رفيق ساعات الفراغ، والذي احتلَّ شراييننا كما الدم المغذي لأجسامنا، فأصبحنا لا نستطيع منه فكاكاً، يفتح في كل مرة أمامنا سبلاً متجددةً لتكوين شخصياتنا وتنوير وعينا وتطوير مقدراتنا ومواهبنا.

وكبرنا، وصارت هواية بعضنا جمع الكتب وزيادة غنى وتنوع المكتبة المنزلية التي كانت ولا تزال تحظى بأهم مكان في البيت، لأن الكتاب الورقي لم يزل هو الملجأ الأخير والأكثر مصداقيةً لنا، إضافةً إلى كونه أكثر قرباً لأرواحنا، فالمتعة والحميمية اللتان يمنحنا إياهما الكتاب الورقي لا يوصلها لنا الكتاب الإلكتروني، فأروع اللحظات التي يعيشها الإنسان بعد كل الضغط الذي يحياه خلال نهاره أن يحضن الكتاب بين يديه كما لو أنه طفله الصغير، ينهل منه، ويسرح في عوالمه المختلفة، كلٌّ حسب رغبته واهتمامه، بالرغم من التقدم التكنولوجي والتنوع الهائل في عوالم النت الشاسعة والواسعة والمتنوعة، والتي فتحت لنا مجالاتٍ أكثر سهولةً للوصول إلى المعرفة. وما يؤكد وجهة نظري المكانة والأهمية المرموقة التي لا يزال يحظى بها الكتاب الورقي في دول العالم المتقدم، ففي فرنسا مثلاً يعود الناس للكتاب الورقي مجدداً على الرغم من كل التطور التقني والتكنولوجي، وفي بعض الدول الأخرى باتت ظاهرة كتاب الشارع ملحوظةً، فبإمكان أيّ شخص وصل إلى محطة القطار أن يستعير كتاباً يقرؤه ريثما يصل إلى المحطة التالية فيعيده إلى المكتبة الموجودة فيها، كما أنه بإمكان أيٍّ كان أن يضيف من عنده من الكتب التي يرى فيها فائدةً للآخرين، وهذا ما بدأ يحدث في مدينتنا الأم، دمشق، بجانب متحف العلوم في منطقة التجارة، حيث توجد المكتبة التبادلية، إذ يمكن لأي شخص الدخول والقراءة فيها أو تبادل الكتب.

لم تكن القراءة يوماً نوعاً من الترف والبذخ المعرفي، فكلما زادت المعرفة زادت الحاجة للمزيد والمزيد منها، فالعملية تراكمية لا تتوقف عند حدٍّ معين لا في الأمور الدراسية ولا فيما يتعلق بالثقافة والتنوير وتفتح الآفاق.

بكل تأكيد… سيبقى الكتاب هو الموئل في مدارات التساؤل عن المعرفة والحقيقة.

سيبقى المنهل لمن لا يرتوي أبداً من البحث والتقصي.

سيبقى… رفيق الروح بكل تأكيد.

العدد 1105 - 01/5/2024