سورية تتمسك بـ(الدعم) لغذاء العقل

سامر منصور: 

القراءة.. ذلك الفعل الأثمن والأعلى قيمة في تاريخ الإنسانية.

القراءة.. ذلك المفتاح إلى كل ما هو جمعي في الحاضر والماضي.

القراءة هي ما يجنح بعقولنا لنحطَّ على ذرا التراكم المعرفي لأي مضمار.. بينما نحن في بلاد العرب علمونا مع الأسف منذ الصغر وما زالوا يكررون هذه العبارة على شاشات التلفزة (القراءة هواية من الهوايات التي تُمارس في وقت الفراغ).

القراءة ليست لملء فراغ الوقت، بل هي لملء الفراغ فينا، ذلك الفراغ الأخطر على عالمنا، الذي إن لم يمتلئ بالمعارف والحقائق فيمتلئ بالخرافة والدجل والبدع، لا بل سنغدو دمى محشوة بالإيديولوجية الهدّامة.. يُحركنا المؤدلجون لتحقيق مصالحهم.

الإنسان خلافاً لبقية الكائنات يتكون من جانبين: عقلي، وغريزي. والعقل هو السلاح الطبيعي الأمضى في هذا الوجود والأكثر قابلية لأن يُستخدم بشكل غير طبيعي. والكائن البشري ينمو جسدياً وسلاحه ينمو معه، لكن هذا لا يجعل منه إنساناً ما لم يستطع أن يُغذِّي عقله كما يُغذي جسده، فكما طبق الطعام غذاء الجسد، فإن الكتاب أشهر وسيلة لتغذية العقل. وكما تنتفخ بطون ضحايا المجاعة.. كذلك ينتفخ الجهلة.. لكن حتى غذاء العقل فيه ما هو فاسد ومسموم.. فليست كل الكتب مفيدة.

خَمّنتُ في أحد الأبحاث التي نشرتها في مجال الإنثروبولوجي أن فعل القراءة المعرفي الأول الذي قام به الإنسان هو قراءة إنسان الكهف لرسومات من سبقوه على جدران الكهوف والتي تجسد تجربتهم في الصيد. ومن هنا بدأ الإنسان يكتسب إضافة إلى تجربته في الحياة خلاصة تجارب الآخرين عبر القراءة ليغدو متفوقاً معرفياً على ما تُتيحه مُحددات وجوده الزمكانية.. وهذا ينطبق على شتى مجالات الحياة المهنية والحرفية.. إلخ، حتى مسألة طهي الطعام.

إن القراءة معراجٌ نحو الروح الجمعي.. ومسبارٌ لكشف كُنهِ الحياة والعلاقة بالموجودات والآخر وأداة للخروج من اشكاليات ما يسمى اصطلاحاً (الوعي الزائف). وأنا كمدمن على القراءة لا أستطيع إلاّ أن أشكر وزارة الثقافة في بلدي سورية، لكثرة معارض الكتاب التي تقيمها ولكثرة الحسميات، وأشكر الحكومات السورية في سنوات الحرب على عدم إلغاء الدعم عن مطبوعات وزارة الثقافة التي تُباع بأقل من ثلث سعر التكلفة، ولو أن حكومات ما قبل الحرب نجحت في مكافحة الفساد والاحتكارات الهائلة وضمان سيادة القانون والتوزيع العادل لثروات سورية التي تُعدُّ من أثرى بلاد العالم بالموارد الطبيعية نسبة لمساحتها.. لو نجحت تلك الحكومات في ذلك، إضافة إلى جهود وزارة الثقافة التي تحدثنا عن جانب منها، لما حقق الغرب الاستعماري والقوى الرجعية كل ما حققوه على حساب بلدنا وشعبنا الحبيب.

وختاماً لابدّ من التنبيه إلى أن مشكلة المطبوعات في البلاد العربية هي كثرة المتشابه فيها حيث تتدافع قطعان أنصاف المثقفين والمثقفين الأنانيين إلى طباعة كتب هي جزء من حالة كورالية إيديولوجية تتملّق السلطة ورموزها عبر التكريس للإيديولوجية السائدة التي تخدم مصالحها.. لذلك من جهتي أقول: (قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت) .

العدد 1104 - 24/4/2024