القراءة.. غذاءٌ للفكر وحاجةٌ للعقل

إيمان أحمد ونوس: 

منذ القِدَم اهتمّ الإنسان بالكتاب، وكانت مكتبة الإسكندريّة التي شُيّدت على يد اليونان قبل الميلاد من أوائل المكتبات التي أسّسها الإنسان، وقد عكست حضارة اليونان وثقافتهم واهتمامهم بالكتابة والكتاب، ثمّ استمرّ هذا الاهتمام حتى مجيء الحضارة الإسلاميّة التي أولت الكتاب في بعض مراحلها رعاية خاصّة، ومن بين الخلفاء المسلمين الذي اهتموا بالكتاب وما يحويه من علوم، الخليفة العباسيّ المأمون الذي جعل لكلّ من يقوم بترجمة كتاب أجنبيّ وزنه ذهباً.

فالكتاب سِجلُ التّاريخ قديمًا وحديثًا، ونتعرّف تاريخ الشّعوب والحضارات السّابقة من خلال ما دوّنه المؤرخون وسطّروه لنا، ولولا الكتاب لما وصلتنا أخبار كثيرٍ من تلك الحضارات ولذهبت طيّ النّسيان.

والكتاب يمدّ القارئ بقدر هائل من الكلمات والمصطلحات، فيُثري الملكات اللّغوية والأفكار التي تُنير العالم الفكريّ للقارئ، إذ يرى الأمور بوجهات نظر مختلفة من خلال الكتب الفكريّة أو الأدبّية التي تعرض له الكثير من الأفكار المتناقضة والتي قد لا يُقرّها بالضرورة، لكنه مع الوقت سيصل إلى مرحلة ليتقبّل الاختلاف بصدر رحب، وسيرتفع بالضرورة وعيه للعالم المحيط به، فيُقرر الجانب الفكري الذي يتبنّاه.

وهنا تعمل القراءة على ابتعاد القارئ عن سفاسف الأمور، ويكتسب مناعة ضدَّ الأفكار الهدّامة والإيدلوجيات المنحرفة والضالّة، ممّا يجعله غالباً ما يمتنع عن الانجرار وراءها.

تُعتبر القراءة حاجة وضرورة مُلحّة للإنسان بقدر حاجته للغذاء والدواء والهواء والحب، وهذا ما يتضح بجلاء في المجتمعات التي تُعلي من شأنها كونها المُعين الحقيقي على المعرفة والاطلاع والتفاعل مع الآخر أو التعرّف إليه، وبهذا، ارتقت تلك المجتمعات بأفرادها وحضورها الإنساني والمعرفي والتقني حتى غدت القراءة حاجة أساسية وليست ترفاً كما هي في مجتمعاتنا منذ عقود، حين ابتعدنا عنها تحت ذرائع وحجج أوهى من خيوط العنكبوت حتى بتنا شعوباً لا تُقيم وزناً لأي نوع من أنواع المعرفة مهما كانت بسيطة، شعوبٌ تكتفي بما تفرضه عليها وسائل الإعلام سابقاً، يُضاف إليها وسائل ومنصّات التواصل المختلفة دون أدنى تدقيق أو تمحيص بمحتوى ما يصلنا، وهكذا باتت القراءة حكراً على أولئك الذين يُدركون قيمتها وضرورتها من أجل الارتقاء بالوعي والفرد والمجتمع.

قديماً قال المتنبي: وخير جليس في الأنام كتاب!

فالكتاب هوَ الصديق الذي لا يخونك ولا يفارقك إلاّ إذا تركته وهجرته بإرادتك، فهو صديق وفيٌّ مُخلص، والذي ينتهج القراءة سبيلاً له فلا شكَّ بأنه سلك فجّاً واسعاً وفتح لنفسه أبواب المعرفة على مصراعيها. صحيح أننا في عصر تنوّعت فيه سبل الحصول على المعرفة ما بين سمعيّة وبصريّة وقراءة إلكترونيّة، ولكن يبقى الكتاب الورقي هو الوسيلة الأفضل، لأنه لا يتأثّر بوجود أو عدم وجود وسائل الاتصال أو الكهرباء، قريبٌ أبداً وحاضرٌ دائماً لتلبية شغفنا به.

العدد 1104 - 24/4/2024