الأجيال القادمة من صنع أيدينا  

غزل حسين المصطفى:

طفلٌ صغير لايفقه من أمور الدنيا إلاّ ألعابه وكيف يصنع متعته إضافة إلى ما تُربيه عليه أسرته..

انتهى عامه الدراسي في الصف الأول الابتدائي بعلامات سيئة ولا علم قد حصّله، فلا الجيم جيمٌ ولا الباء باءٌ في قاموسه، إنها مجرد خطوط ورسومات بات طوال عامه يُقلّدها، واليوم تقف أمه غاضبه مُنتفضة (مدارس الحكومة سيئة، لا نفع منها، خسرت طفلي بسببها، لا يمكنها إعطاء المطلوب)!

كلامها كان يستفزُّ أيّ سامع، أو من يجهل حقيقة الأمر فيغرّد في سربها.

ولكن، من قال إن الحق كان على المدرسة والمُدرّس فقط؟ وهي كأمّ تُشاطر طفلها باقي يومه تربيةً وتعليماً، ألا يقع عليها جزءٌ من المسؤولية فيما حصل؟ أليست الأم هي المدرسة الأولى؟

اليوم هناك حلقة ناقصة لم يستدركها مجتمعنا في عملية التعليم، فقد بِتُ ألحظُ انصباب الأهل على فكرة المدرس الخصوصي في المنزل بحجّة أن ما في المدرسة لا يكفي، والطالب بات لا يستوعب بما فيه الكفاية من أستاذه. قد يكون هذا صحيحاً، فمدارسنا اليوم تتبع لعدة عوامل قد تجعل الموضوع شائكاً وشّاقاً على المُدرّس كتفاوت المستويات لعدد الطلاب الكبير.  والنقطة الأهم أن الطلاب قد غُرست في أذهانهم فكرة وجود حلٍّ أسهل لمعلم سيأتي في نهاية المطاف إلى المنزل، ينوب بشكل أو بآخر عن عقل هذا الطفل، لكن من لا يهمه العلم هل ستنفع معه الدروس الخصوصية؟

لست أُقلّل هنا من شأن فكرة المُدرّس الخصوصي، ففي بعض الحالات لابدّ من وجوده والوقت ليس ملك يمين الأم دائماً، ففي الطرف المقابل تُناديها الحياة بمتاعبها والأعباء المتزايدة، أو أن المادة العلمية باتت تخصصية تفوق قدراتها المعرفية. لكن مشكلتي أن الوضع صار عادة درجت بين أبناء الجيل وأهاليهم، وبات دور الأهل معدوماً في عملية التعليم إلاّ من مبالغ مالية تُدفع وامتيازات مدرسية تُنشر صورها على مواقع التواصل بهدف حصد الإعجابات لتفوّق هذا الطفل.

ومهما بلغت رعاية المعلم، لابدّ من وجود تفاعل عالي المستوى ما بين طرفي المعادلة (الأهل والمعلم) وأخصُّ بالفكرة الأم تحديداً كونها الراعي الأكثر قرباً من الأطفال منذ وجودهم في الحياة.

رؤيتي تتمثل بهيئة بناء لا يمكن أن يقوم على ركيزة أو ركيزتين، نحن بحاجة إلى الأطراف كلها مجتمعة للوصول إلى حالة صحيحة طبيعية فيما نبني، وهذا لا يكون إلاّ بتكامل دور الأطراف في عملية مدروسة هدفها وغايتها واحدة تنصب بكل آلياتها على التربية والتعليم.

فوجود طرف لا يلغي الطرف الآخر، العملية تكاملية بحت، فكل منهم لديه أدواته الخاصة التي تفرض عليه الوقائع أن يستخدمها بل ويُفنيها في عملية التنشئة، وهي لا تقتصر على المواد العلمية فقط، بل وتشمل مفاتيح الحياة والقيم الأخلاقية والإنسانية التي يُفترض أن تُغرس وتتمُّ رعايتها بحذر وعناية فائقة.

(الأجيال القادمة من صنع أيدينا) ليست جملة، إنما هي مضمون الأمانة التي سنحملها جيلاً بعد جيل.

العدد 1104 - 24/4/2024