خطاب غير تاريخي

حسين خليفة:
ولأننا سنُصاب بالتخمة من خطابات الرجل عن عيد المرأة، وعن ضرورة مساواتها الكاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات قبل أن يعود إلى البيت، فيدخله مكفهر الوجه شاكياً باكياً من تعب النهار، يتمدد على الصوفا أو على  فرشات الإسفنج (بالنسبة لفقراء المثقفين)، ثم يبدأ الطلبات التي لا تنتهي: كأس ماء بارد، شاي، قهوة، متة، ثم يسأل عن طعام الغداء، فإن كان ممّا يسرّه انفرجت أساريره قليلاً، وإن كان ممّا لا يرغبه زاد تجهّماً واكفهراراً بوجه ملاكه الذي كان يُدبّج عنها أجمل الكلام منذ قليل، يقوم للاستحمام ويشغلها معه طوال فترة الاستحمام، يخرج من الحمام طاووساً منفوش الريش بعد أن تأكّد من رشاقته التي لا غبار عليها مع  الكرش المتدلي.
طبعاً مهمّته تبدأ مع وضع السفرة أمامه وتنتهي بالشبع، فتقوم الزوجة أو نساء العائلة بمهمّة الضب والترتيب والتنظيف والجلي، فيما هو يبدأ حفلة الشخير النهاري في قيلولة يُمنع اختراقها من أحد. ثم تبدأ سهرته مع التلفزيون أو النت أو المقهى مع مشاريب وبزر وما تيسّر من مُكسرات، لتنتهي بسرير بارد أو ساخن حسب ما يراه مناسباً لرغباته أو طاقته أو مزاجه.
لا شيء ممّا قاله في خطابه الصباحي موجود في برنامج حياته في العمل أو البيت.
أعود إلى القول لأننا سنُصاب بالتخمة من الخطابات والمزايدات في هذا اليوم التاريخي الذي تحتفل به البشرية جمعاء، مكرّسة عهوداً من بيع النساء كلاماً يزداد اتساقاً وجمالاً وبريقاً، كلما زاد امتهان المرأة وتسليعها وقهرها وردّها إلى درك أسفل من العام الفائت، سأحاول لململة بعض الكتابات الحقيقية التي لا مزايدة فيها ولا مراءاة من كتاب وفنانين يعيشون الحياة كما يقولون، يكونون على حقيقتهم وهم يهنئونها بعيدها في الثامن من آذار، وهو بالمناسبة عيد استقلال سورية الأول الذي تحقق في 8 آذار عام 1920.
يكتب يحيى جابر، الشاعر والمسرحي اللبناني الرائع:
وفي يوم المرأة العالمي. أقترح أن يبقى الرجال يقعدوا بالبيت والنساء يخرجوا يطلعوا من البيت يضهروا يكزدروا يسهروا.. يفرحوا.. ويسكروا الباب بالمفتاح على الرجال أو العكس صحيح.. المهم ما حدا يشوف التاني بهالنهار.. تصوروا مليار رجّال بالبيت محبوسين 24 ساعة.
وفي (بوست) آخر كتب: وفي يوم المرأة العالمي. لماذا تذهب النساء إلى العمل، ألا تستحق المرأة عطلة رسمية في عيدها؟
الشاعر السوري المقيم في الدانمرك مروان علي يكتب:
وفي هذا اليوم التاريخي
أتذكر عمي جميل والضربة القاضية، الخاطفة والمستقيمة، التي سدّدها إلى الفك السفلي لزوجته الأولى (حليمة گلعو) حين تأخرت في تحضير العشاء، فغابت عن الوعي ليومين.
فادي جومر (شاعر وإعلامي سوري مقيم في ألمانيا):
أحلم بيوم.. تظهر فيه حملة لفضح الآباء والإخوة والأزواج الهمجيين الذين يتدخلون في حياة بناتهم، أخواتهم، وزوجاتهم. تماما مثل حملة .(me too)
تسرح في بلادنا ملايين الضباع الضارية.. التي تحكم أنيابها المشبعة بدم التخلف ورائحة الموروث العفنة على أعناق النساء لتفرض وتمنع وتأمر.. والأفظع هو وجود من يتظاهر من بين هذه الضباع بالتحضّر.
هو لطيف مع (صديقة) ابنه التي تسكن معه.. وضبع ينضح قرفاً مع ابنته إن سارت في الشارع ممسكة يد حبيبها.. أو حتى لمجرد إن كان لها حبيب أصلاً.
يا نساء هذا الشرق..
فضح المتنمّرين.. آباء إخوة وأزواج.. أول خطوات نيل الحقوق.
طارق العربي (شاعر فلسطيني يعيش في رام الله):
صباح الخير يا حياة، يا حب، يا نساء…
صباح الخير لمن يدينون بالولاء لنون النسوة،
وصباح الخير لنون النسوة، وتاء التأنيث (المتحرّكة رغماً عن النحو)
وصباح الخير يا حبيبات الذين وجدوا الحب، وصباح الخير للوحيدين الذين ينتظرون حباً من الله وفتحاً مبيناً…
نجم الدين السمان (كاتب سوري مقيم في تركيا):
في عيد المرأة العالمي:
كم مِن العُنفِ فينا..
نتشرّبُهُ مِن كلِّ جهلٍ واستبدادٍ؛
ونُصدِّرُهُ.. للنساء؟!
بومدين الساحلي (شاعر سوري مقيم في بيروت):
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أشهدُ مثنى وثلاث ورباع وما ملكتُ من عقلٍ بأنني من ضلعهنّ، وكل كلام خلاف ذلك هو باطل.
هل لاحظتم شيئاً جميلاً في كتابات هؤلاء الرجال عن المرأة؟!
فيما يخصني أقول: نعم… هي تعبيرات موجزة مكثّفة وحقيقية من رجال يُشكّلون استثناءات في المجتمعات الشرقية… لكن مهلاً… هلا لاحظتم أن أياً من السوريين منهم لا يقيم في سورية!!
وبمناسبة عيد المرأة أطالب بعودة كل السوريين الذين يتميّزون إبداعاً وعطاء أينما ذهبوا.. أطالب بإسقاط كل التهم الغبية بحقهم ليعودوا إن أرادوا مواطنين أحراراً في بلد حرّ ديمقراطي علماني موحد.
وأعتذر إن كنت قد خرجت عن الموضوع.

العدد 1105 - 01/5/2024