قانون الأحوال الشخصية… لا تعديل

حسين خليفة:

في حالة كهذه (تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري وصدور القانون رقم 4 لعام 2019) لا توجد حلول وسط كما أرى، ليس هناك النصف أو الربع الملآن من الكأس والباقي الفارغ، وعلينا أن ننظر إلى الجزء الملآن كما يقول المتفائلون، وهو جزء مجهري بطبيعة الحال.

الحراك الذي بدأ في سورية منذ انطلاق نشاط الحركات النسائية في بداية الألفية الثالثة.

هذا الحراك النسوي أثار قضايا كانت غائبة أو محجوبة عن المجتمع الأهلي في سورية، خصوصاً ما يتعلق منها بقانون الأحوال الشخصية الجائر والمتخلف شكلاً ومضموناً.

وهنا، لا بدّ من الإشارة والإشادة بالمنظمات النسائية الشيوعية (رابطة النساء السوريات بجناحيها)، وتبوئها مركزاً طليعياً في إثارة هذه القضايا منذ زمن طويل، لكن تأثيرها كان محدوداً ومحاصراً لإبراز الاتحاد الشكلي الراحل، واحتكار الحزب الحاكم لأشكال النشاط الأهلي كافة، والقبضة الأمنية التي كانت تُضيّق الخناق على أي نشاط مجتمعي وما زالت.

عودة إلى موضوع قانون الأحوال الشخصية، من خلال رؤيتي كمتابع غير مختص بهذا الشأن، وكمواطن سوري يهمّه أن تكون قوانين البلاد عصرية ولا تنتمي إلى القرون الغابرة، ففاتحة الكلام في هذا الموضوع أن يكون قانوناً مدنياً لا علاقة له بأي تشريع ديني (لا إسلامي ولا مسيحي ولا مذهبي… الخ)، وهو ما لم يتحقق في الحالة السورية حتى تاريخه، والتلاعب بالألفاظ الذي حصل في التعديل الأخير للقانون (من جهة تغيير بعض المصطلحات ذات المدلول السلبي تجاه المرأة كمفردة النكاح وغيرها) لا يتعدى مساحة اللعب بالكلمات ليقول القوالون والمطبلون بأننا أنجزنا شيئاً مهماً باتجاه تحقيق قانون عصري وإنساني.

وبكل وضوح وتحديد، لا يمكن لقانون أحوال شخصية يقبل بتعدد الزوجات، وبتوزيع الميراث وفق قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين)، وأن تبقى شهادة رجل لا يحمل شهادة التعليم الأساسي بشهادة دكتورتين جامعيتين؟! وبأن تُمنع المرأة السورية من منح جنسيتها لأبنائها، إلاّ أن يكون قانوناً قاصراً ومتخلفاً وبحاجة إلى انقلاب جذري، أي إلغائه والإتيان بقانون أحوال شخصية وضعي، مدني، يعامل النساء والرجال كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات دون أي تمييز، كما ينص دستور البلاد. وبالمناسبة فإن التمييز الحاصل في قانون الأحوال الشخصية مخالف تماماً للدستور السوري الذي ينص على أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات دون تحديد الجنس أو الهوية القومية أو الدينية.

المفارقة المثيرة أن أغلبية أعضاء مجلس الشعب الذي ناقش القانون بمواده كافةً وعدّلها وأقرّها كلّها في جلسة واحدة؟! ينتمون نظرياً إلى أحزاب تدّعي العلمانية والتقدمية والاشتراكية (حزب البعث وأحزاب الجبهة) والبقية تجري تزكيتهم (حتى لا نقول تعيينهم) من قبل أجهزة يُفترض أنها تأتمر بأمر الحزب الحاكم الذي تتصدر أهدافه كل مكان ومنها الحرية والاشتراكية!

كان بإمكان هؤلاء الثوريين العلمانيين إعادة القانون إن لم يستطيعوا تعديله بما يحقق ولو بعض ما تطالب به النساء السوريات منذ عقود.

كان بإمكانهم تبديل نصوص، وإضافة مواد، وحذف مواد، ليصبح القانون غير منافٍ لدستور البلاد على الأقل بتحقيق المساواة بين المواطنين، وبيدهم ورقة قوة لا تقاوم: الدستور.

لن أتحدث عن الحكومة التي قدّمت مشروع القانون ما دامت قد كلّفت بإعداد المشروع وزارة الأوقاف، بالشراكة مع وزارة العدل، لأن المكتوب ظاهر من عنوانه كما يقول المثل الشعبي.

فبعد أن فُتح المجال واسعاً للقبيسيات والمجموعات الشبابية الدينية للنشاط ونشر الفكر الظلامي، وتُرك المشايخ ورجال الدين يتدخلون في الشأن العام، بما يهيئ التربة لنمو الأفكار المتطرفة، ويُضيَّق في الوقت نفسه على نشاط القوى والأفكار الوطنية والديمقراطية والعلمانية، ليس غريباً أن يصدر قانون كهذا.

العدد 1105 - 01/5/2024