التعديلات الأخيرة.. المساواة بين الرجل والمرأة!

سامر منصور:

أحدث التعديل الأخير في القانون رقم 4 المتعلق بالأحوال الشخصية ضجّة في الأوساط المُثقفة ولدى الفئات التقدمية التي تنادي بحقوق المرأة، والتي كانت تتطلّع إلى تغييرات أعمق نحو علمانية الدولة والمساواة بين المرأة والرجل. ومن جهتي وجدت هذا الصخب على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها طريفاً، فكان الأجدر بنا المطالبة بتطبيق وتفعيل كل النصوص المكتوبة وكل مواد الدستور السوري، لا زيادة الأوراق المُحبّرة أو تغيير عبارات تحبيرها! ففي ظلّ تراجع العدالة الاجتماعية بشكل عام وظواهر أخرى سلبية كثيرة، يبدو المطالبون بحقوق المرأة كمن يثب ليرتقي عالياً في سفينة تغرق بالكامل. والأولى بالقوى الحزبية والحقوقية التقدمية، أن تسعى كي تحظى بقانون عصري وآليات عمل مُنصفة ديمقراطية تُخرِج معظم تلك الأحزاب من حالتها الراهنة ومن وضع التقزيم الذي فُرض عليها في مرحلة ما، إلى وضعٍ سويّ تكون فيه قادرة على لعب دور فاعل، فمن البديهي أن المسائل الحقوقية والسمو التشريعي نحو احترام وتقديس الإنسان لا الإيديولوجيات لا يكون إلاّ في بلدان تُمارَس فيها الحياة السياسية بشكل صحي وسويّ.

وبعد تبياني لعجبي من الآمال العريضة لمثقفين يعيشون في بلد، الحياة السياسية فيه ضيّقة، لابدّ من الإشارة إلى تعديلات إيجابية على صعيد المساواة بين المرأة والرجل تضمنها التعديل، كمنع أحد الوالدين من السفر مصطحباً أطفاله دون إبلاغ الوالد الآخر. ولكن تبقى مسائل أخرى كقدرة الأم على منح الجنسية لابنها مثلاً كما هو حال الأب غير مُحققة، مع العلم أن العالم بأسره يذهب باتجاه هذه المساواة كتحصيل حاصل سيشمل البشرية قاطبة مهما طال الزمن.

وبالعودة إلى مسألة التغييرات التشريعية سواء القانونية أو الدستورية في هذه المرحلة، يجب أن لا نُغفل أن الدولة تُبقي على حيّز من التغييرات كورقة سياسية للمرحلة القادمة التي سيتمُّ فيها محاولة استيعاب المعارضة غير المسلحة والتفاوض معها على تلك الفئة من التعديلات التي من شأنها المقاربة بين ما هو الآن بين أيدينا وما تطبقه الدول الأكثر حداثة وتقدماً، أي المساواة بين النظرية والواقع.

وبالعودة إلى مسألة المساواة بين المرأة والرجل، فهي ليست عادلة باعتقادي، لأن العدالة تختلف عن المساواة، ومثال ذلك كما أشرت سابقاً أن يكون لدي ابن في الجامعة وابن في الحضانة، فالمساواة تقتضي أن أعطيهما المصروف اليومي ذاته، والعدالة تقتضي أن أعطي طالب الجامعة أكثر. وأراهنكم جميعاً أن توجد امرأة واحدة في سورية ممّن ينادين بالمساواة بين المرأة والرجل يمكن أن تقول لعريس ابنتها: خذ هذه بعض الملايين ثمن نصف البيت الذي اشتريته لتعيش فيه مع ابنتي، ونصف ثمن الأثاث، ونصف تكاليف الحفل، لأنني أؤمن بالمساواة، وخُذ: هذا مهر لك أيضاً، فكما يدفع الرجال لنا نحن النساء مهراً يجب أن ندفع لهم أيضاً. صادفت في حافلة سيدة مُثقفة ممّن يُنادين بالمساواة، أخذت تنظر شزراً إلى أحد الذكور، ثم وبّخته متهمة إياه بقلّة الذوق لأنه يراها واقفة ولم يمنحها كرسيه لتجلس مكانه، مع العلم أن الحافلة العامة هي للفقراء وتلك السيدة ترتدي الكثير من الزينة المصنوعة من الذهب، وبسعر أحمر شفاه واحد من دستة المساحيق التي دفنت تحتها وجهها يمكن أن تركب سيارة أجرة.. نهض ذلك الشّاب الأسمر الذي في غالب الظن هو عسكري لا يرى كرسياً إلاّ في إجازاته النادرة وأجلسها دون أن يقول حرفاً واحداً، ثم نزل في أول محطة خجلاً من أنه (تبهدل قدّام الكلّ).

ما أريد قوله، إن القوانين والتشريعات ليست دائماً العصا السحرية التي تُغيّر كل شيء خلال أيام، فأيُّ تعديل قانوني أو تشريعي يخالف الأعراف التي يتمسك بها الناس بشدة لن يكون له صدى وسيُشكل تطبيقه إحراجاً لأفراد السلطة المختصة في الدولة، وربما يُثير سخط الناس عليها، وهذا ما نحن في غنى عنه في هذه المرحلة.. لذا لابدَّ أن تتجه جهود الناشطين الحقوقيين أفقياً إلى السعي لرفع عتبة الوعي الجمعي أكثر ممّا تتجه نحو قمة الهرم المؤسساتي شاقولياً لإسقاط إرادتهم على مجتمع مرتاح ومستكين لما هو فيه، خاصة أننا نؤمن بمبدأ العقد الاجتماعي، وأنا هنا أقصد أولئك الناشطين الذين يريدون تغييراً واسعاً وجذرياً دفعة واحدة. والأولى أن يكون التغيير تدريجياً على التوازي مع رفع عتبة الوعي الجمعي تجنباً لخلق هوة بين السلطة والناس.

العدد 1104 - 24/4/2024