لا بديل من قانون أسرة عصري

إيمان أحمد ونوس:

تتطور القوانين المعمول بها في كل المجتمعات تبعاً لتطور وعي أفرادها وثقافتهم، وكذلك تبعاً للدساتير الناظمة لحياة وأنشطة المواطنين والحكومات في هذه المجتمعات، باعتبار الدستور المرتكز الأساسي الذي تستقي منه باقي القوانين تشريعاتها.

لكن، أن نكون في الألفية الثالثة وتحكمنا قوانين وتشريعات تعود في أصولها إلى القرن الثامن عشر، فهذا ما لا يتوافق مع تطور الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء، ونعني هنا قانون الأحوال الشخصية الذي سُنَّ في عهد قدري باشا، وأُقر العمل به مُجدداً في خمسينيات القرن الماضي مع بعض التعديلات غير الجوهرية في السبعينيات من القرن ذاته.

ولأن الحال هكذا، تنادت المنظمات الحقوقية والنسوية في سورية منذ مطلع الألفية الجديدة لتغيير كل القوانين التمييزية ضدّ المرأة، وأهمها على الإطلاق قانون الأحوال الشخصية باعتباره ينظم العلاقات الأسرية والاجتماعية كافة، ويرسم حدود العلاقة ما بين المرأة والرجل في المجتمع، وأيضاً، باعتبار أن هذا القانون يتعامل من منظور شرعي يعود بغالبية تشريعاته إلى قرون خلت ومجتمع مختلف كل الاختلاف عن مجتمع العصر الحديث سواء من حيث البيئة أو من حيث العلاقة ما بين الرجل والمرأة، وخاصة وضع المرأة في عصرنا الراهن. وجميعنا يعلم أنه في عام 2009 تمّت محاولة تسريب مسودتي مشروعين لتعديل القانون المذكور، إلاّ أنهما رُفِضتا بالكامل من المنادين بالتعديل أو التغيير، وبقي الأمر على ما هو عليه حتى يومنا هذا، الذي فوجئنا فيه وبشكل مُباغت بتعديل القانون دون مشاركة أولئك المطالبين بتعديله، حتى جاء بتعديلات طفيفة لا ترقى للمطلوب في أحسنها، بينما جاءت شكلية او لفظية في باقي التعديلات.

بالتأكيد، لا يمكننا إغفال التعديلات الإيجابية التي تخص علاقة الأبوين بالطفل في حال السفر، ولا اعتماد البصمة الوراثية في إثبات النسب، لكن هنا تمّ استثناء الأبوين في اللجوء إلى هذه البصمة في حال النزاع بينهما على نسب الطفل. لكن التعديل القاضي بأحقية الأم الولاية على أولادها في حال انتفاء العصب من القربى، فهو إيجابي شكلاً، لكن مضمونه مخالف تماماً، لأننا بالأصل مجتمعات نادراً ما يختفي العصب من القربى فيها، ومن هنا فإن هذا التعديل ما هو إلاّ بريستيج إعلاني لا أكثر.

بالمحصلة، المجتمع السوري وتحديداً اليوم، بحاجة إلى قانون يواكب مختلف المتغيّرات الطارئة على كل مكونات الأسرة (الرجل، المرأة، والأطفال) لاسيما في ظلّ تبعات ونتائج الحرب على سورية، وما أفرزته من نتائج طالت كل المكونات. كما نحن بحاجة إلى قانون يواكب الدستور الذي ساوى بين جميع مواطنيه في الحقوق والواجبات، وما يحتويه قانون الأحوال الشخصية مناقض تماماً لتلك المساواة. وهذا يؤدي بالتالي إلى ضرورة تشريع قانون أسرة عصري يستمد مواده من الدستور أولاً، ومن ثم يتوافق مع ما وصل إليه أفراد المجتمع كافة.

العدد 1105 - 01/5/2024