وراء در.. إلى الخلف سِر!

إيناس ونوس:

صدر مؤخراً قانون الأحوال الشَّخصية بحلَّته المُعدَّلة التي طال انتظارها بعد عملٍ دام سنواتٍ وسنوات من قبل عدَّة جهات حكومية وأهلية، إلاّ أن النَّتائج لم تكن بحجم الجهود التي قدِّمت ولا متوازية مع الآمال بأن يكون لنا_ نحن السُّوريين والسوريات_ قانون عادلاً منطقياً يقارب التَّغيُّرات التي طرأت وتطرأ على المجتمع بكل أطيافه ومكوِّناته ويُنظِّم شؤون الأسرة السُّورية.

لست هنا بصدد تنقيح المواد بشكلٍ قانوني، فهذا اختصاص أصحاب الشَّأن، إلاّ أنني وكفرد في هذا المجتمع له الحق الكامل في أن يبدي رأيه، وكوني امرأةً وأمّاً، أجد أن المواد التي تناولت موضوع حضانة الطِّفل حملت الكثير الكثير من الإجحاف بحق الأم والطِّفل على حدِّ سواء، فقد بات لزاماً على الأم المُطلَّقة أن ترهن نفسها لتربية أطفالها وهي تَعدُّ الأيام عدَّاً تنازلياً حتى يكمل أولادها الواحد تلو الآخر الخمسة عشر عاماً لتستيقظ ذات صباح وقد جاء الأب بقوة القانون ليأخذهم انطلاقاً من حقِّه في رعايتهم، دون الأخذ بعين الاعتبار كيف كان تواصله أو تعامله معهم واهتمامه بهم أو عدمه خلال كل السَّنوات السَّابقة. يترافق هذا مع إلغاء حق الطِّفل في الاختيار بين أمِّ رعته وكَبُر في كنفها، وأبٍ، كان، في أفضل الأحوال، يراه مرة أو مرتين على أبعد حد في الأسبوع الواحد.

فأيّ إجحافٍ بحق الأمومة والطُّفولة يهدف إليها القانون ومشرِّعوه من هذه الخطوة؟!

من حق الأب أن يرعى أبناءه ويعيش معهم، إلاّ أن واقع الحياة المعيش ولاسيما في أروقة المحاكم يبرهن على أن نسبة الآباء الذين يهتمون لشؤون أطفالهم بعد الطَّلاق تعتبر قليلةً مقارنةً بنسبة الأمهات اللائي يعشن لأجل أبنائهن فقط، إضافةً إلى أن القانون لم يراعِ أمراً في غاية الحساسية لدى الطِّفل ألا وهو سن الخامسة عشرة، سن المراهقة والتَّحولات والتَّبدلات التي يعيشها كل شخص، وهي بحد ذاتها كفيلة بأن تنغِّص معيشة الطِّفل، فما بالنا ونحن نضيف إليها اقتلاعه وبشكلٍ فجائي من مكان ونمط معيشة لنرميه في مكان ونمط معيشة آخَرَيْنْ، فقد جاء في القانون إنه على الأب أن يتقدَّم بطلب للمحكمة بحقِّه بحضانة أبنائه إلاّ أن المدَّة التي كانت في القانون السَّابق ريثما يتمُّ البت بالقضية قد تم إلغاؤها وبات التَّنفيذ مباشراً. إلغاء هذه المدَّة الزَّمنية يحمل في طياته ظلماً خطيراً لأنها كانت تساهم في تخفيف وطأة التَّغيير الذي سيحصل نفسياً، فيتشربها الطِّفل شيئاً فشيئاً، بينما الآن صار الأمر على مبدأ كن فيكون، ولنا أن نتخيّل ما يمكن أن يحصل للطِّفل والأم معاً والحال هكذا في ظلّ الواقع الاجتماعي والأخلاقي الذي تشهده الأسر السُّورية وأبناء المجتمع السُّوري ككل، والمتزايد في الانحدار يوماً بعد يوم!

ولم تتوقف التَّعديلات هنا فقط، بل شملت العديد من الجوانب التي لمَّا تزل وأظنها ستبقى مثار جدل، كأحقية القاضي الشَّرعي في تزويج القُصَّر إن ارتأى فيهم القدرة الجسدية على ذلك! وبهذا فقد تمَّ تكريس زواج القاصرات بكل تبعاته الاجتماعية والنَّفسية أكثر من ذي قبل، كذلك تُضاف إليهم المادة لتأكيد النَّسب مع الاحتفاظ بمبدأ اللِّعان للزوجين؟! وأيضاً أن المرأة باتت تملك حق الولاية على أبنائها، لكن بعد أن يفنى كل ذكور العائلة!

لا نهدف لإغفال المواد التي تمّ تعديلها بشكل إيجابي حقَّها، كقضية الميراث وتشعُّباتها، وحق الأم في التَّنقُّل والسَّفر بأبنائها خلال فترة حضانتها لهم، وغيرها من المواد الأخرى، إلاّ أننا لا نزال نطالب ونحلم بقانون عصري يرتقي بالأسرة السُّورية التي تعاني أساساً من أزماتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى، لا أن نزيد من تلك المشاكل والمخاوف.

وسيبقى هدفنا الأول والأخير السَّعي الحقيقي للوصول بالمجتمع السُّوري إلى حياة أفضل وأرقى، فبعض الدُّول تعتمد قانوناً مدنياً يعفيها من الدُّخول بالعديد من التَّشعُّبات والاختلاف والانتقاد، وينظم حياة الأسر بشكلٍ منطقيِّ وعادلٍ أكثر.

العدد 1105 - 01/5/2024