لا يزال الأمل مستمراً

إيناس ونوس:

بالرَّغم من كثرة الصَّرخات والنِّداءات لمناهضة العنف المُسلَّط على المرأة في مختلف المجتمعات، النَّامية منها والمتحضِّرة، إلاّ أن جملةً من الأمور لم تختلف كثيراً ولم تصل أصوات المحتجات/ين إلى مبتغاهن/م بالشكل الحقيقي والملموس. وفي كل عام تتجدَّد النِّداءات والمطالبات بالقضاء على كلّ أشكال العنف تجاه المرأة على أمل التَّقليل منها عاماً بعد آخر حتى الوصول إلى القضاء عليها نهائياً، ومن جملة هذه الأمور:

_ على الرَّغم من أهمية المرأة ومكانتها قانونياً في دول العالم الأول، إلاّ أنها لا تزال تعيش اضطهاداً اقتصادياً يتمثّل في التَّمييز بينها وبين الرَّجل فيما يخص الرَّاتب الوظيفي ولو امتلكا المؤهلات العلمية والمعرفية والخبرات نفسها، وأكبر دليل على ذلك ألمانيا، فالمرأة الألمانية التي نهضت بالبلاد بعد الحرب العالمية الثانية وصلت إلى كل مطالبها، بينما لا تزال تعاني هذا النَّوع من الظُّلم، فهي تتقاضى أجراً أقلّ من أجر الرَّجل المتساوية معه في كل الشُّروط المطلوبة! بينما نجد العكس في بلادنا، فهما متساويان من هذه النَّاحية، غير أن بقية حقوقها لما تصلها بعد!

– لم تزل المرأة معيار الشَّرف والأخلاق المحصور والمؤطَّر بجانبٍ واحدٍ فقط، وعلى الرَّغم من كفاءتها وجدارتها في إدارة شؤونها ومن معها خلال سني الحرب السُّورية وما بعدها، إلاّ أن هذا الجانب يُعتبر المقتل الرَّئيس لها ولكل ما تقوم به، ذلك أن المجتمع لم يُغيّر نظرته إلى مفهوم الشَّرف الذي في حقيقة الأمر يعني مفاهيم أوسع بكثير ممّا هو عليه اليوم، بل تتزايد الأصوات المجتمعية المشجِّعة على هذا التَّأطير، وفي هذا أشدُّ أشكال القهر والاضطهاد للمرأة لأنه ينسف دفعةً واحدةً كل كيانها وتاريخها وإقدامها على الحياة ومقاومتها للموت وشجاعتها في كل القضايا الحياتية عامةً.

_ أحد أبرز أشكال اضطهاد المرأة هو استخدامها سياسياً كرقم أو واجهة فقط، الأمر الذي يحدث حينما تلج النِّساء العمل السِّياسي سواء في البرلمان أو الحكومة أو غيرها من التنظيمات الأخرى كالأحزاب السِّياسية أو حتى منظمات المجتمع المدني، فقد بات من المعروف للجميع أن وجودها شكلي بحت ليكتمل بها النِّصاب الذي جاء به الدستور ليس غير، أما وجودها الفعلي فهو مُغيَّب وعن سابق تصميم وإصرار.

_ أما العنف الأشرس حقيقةً فهو ما تقدم عليه المرأة ذاتها تجاه ذاتها وتجاه غيرها من النِّساء حينما ترضخ للأمر الواقع بكل مناحيه وتجلياته وتقبل العيش به دونما اعتراض أو رفض أو سعي للتَّغيير، سواء على الصَّعيد السياسي وقبولها أن تكون مجرد أداة يحركها الآخرون كيفما شاؤوا، أو على الصَّعيد المجتمعي حينما تكون هي أشدَّ أعداء بنات جنسها ورفضاً لهن، والأكثر تشدداً وتعزيزاً للمفاهيم التي من المفترض أن يكون قد عفا عنها الزَّمن.

هذه بعض الحالات مما تعانيه المرأة وما يقع عليها من ظلمٍ وقهر، ولا تزال، ولربما ستبقى لسنوات وسنوات. إلاّ أن الأمل لا يزال وسيستمر بأن تصل المرأة إلى المكانة التي تستحقها كشريكٍ أساس في الحياة لكونها العنصر الأكثر أهمية باعتبارها الأم والمربية والقدوة للمجتمع ككل.

العدد 1105 - 01/5/2024