العنف داء البشرية من صنعهم وتطبيقهم

وعد حسون نصر:

العنف، لعلّه الداء الكبير الذي أوجده الإنسان وطبّقه على أخيه الإنسان، ونسي مكتشفوه أن لكل داء دواء. كما أنه المرض المُتشَعِّب الذي نال الكبير والصغير والمشيب والشباب منه حصّة. لكن حصّة المرأة والطفل كانت الأكبر، وهذا الحال لم يكن قبل الحرب داخل بلدي أفضل منه بعدها، مع فارق بسيط أن التهجير زاد من وتيرة العنف وكثّف الكمية وتعددت الأشكال، فقد تعرّضت المرأة وخاصة بعد أزمة الأخلاق وحرب النفوس ولغة السلاح بكل أنواعه، إلى شتى حالات التعنيف (الجسدي- النفسي) ممزوجاً بقهر ودموع مُستضعفة. فالعنف النفسي والروحي لا يقلُّ أذىً عن العنف الجسدي، إن لم يكن أكثر إيلاماً، فالكثير من النساء وخاصةً من ساهمت الحرب في قتل أحلامهن وسلب ضحكتهن وقلع الذكرى من نفوسهن مع كل صورة سقطت من جدار المنازل، فتجد هذه المرأة نفسها خارج كل ما تملكه، وعُرضَة لنظرات الدون من الغير سواء من النساء أنفسهن أو الرجال الذين تملؤهم نخوة زائفة صنعتها ظروف راهنة تجعل من تلك المرأة وجبة شهية بعد معركة قوافي لكلمات رجولية بنبرة الغيور من فم ذئاب تَعِدُ حملها الوديع بفراش الريش الدافئ مُظللاً بخيمة رجولة أصحاب النخوة الآنية، وبعدها يبقى الذئب لاحماً ويموت الحمل إما بمخالب الذئب أو بين أسنانه مع كل مساعدة يقدمها له.

ولا تقلُّ بعض النساء عنفاً على بعضهن الآخر، فالكثيرات من أصحاب الأموال استغللن ظروف المهجّرات من مراهقات شابات ونساء كان الجمال جواز سفرهن ليصل بهن وبتلك النساء من أصحاب النفوذ إلى جيوب الرجال، لتكون تلك الفتيات مقبّلات لسهرات النخاسة مقابل مبلغ من المال أو مأوى، وكلما كانت صغيرة وجميلة، وجسدها مفتولاً، كانت الأموال أكثر، والليالي الحمراء أطول، ويا ويح تلك الفتاة، أو الناضجة الجميلة، من الرفض، إذ تجد نفسها في الشارع، ولقمة سهلة لأصحاب المحال التجارية والورش الصناعية الذين لابدّ أن يتبرعوا بنصيبهم لتلك المرأة، من استغلال ظرفها بساعات عمل طويلة ومرهقة مقابل قروش، وعليها أن تحمدهم وتشكرهم قبل الله لأنهم كانوا كرماء معها، هذا جزء بسيط أمام أصحاب العقارات الذين استغلوا ويستغلون ظروف الحرب ليجعلوا من غرفة وحمام أسفل الدرج قصراً منيراً، وهنا تبدأ المفاوضات إذا كنتِ جميلة وصاحبة قوام ومبسم، فهم عقد إيجارك، وكل ما زاد إطراؤك طالت الإقامة مع خدمة الطعام والشراب المجاني، أما إن كنتِ عادية وأماً لأولاد كثر فهنا لا رحمة في الإيجار وأمامك خيار واحد، إما البقاء بأجرةٍ كبيرة لمنزل لا يستحق، أو النوم تحت ضوء القمر على رصيف لا يرحم، ولا يقلُّ عنف الحدائق وزمهريرها على المرأة بشيء، حتى بالمكان العام والحمام العام والمقعد العام لم تسلم المرأة من وحشية التعنيف والتحرّش.

كما لم يكن أيضاً خارج البلاد أفضل من داخلها، فقد باتت المرأة سلعة، مُستضعفة بكل أنواع القهر، والعنف الجسدي والروحي، وتستباح من رجال لعب الدهر على وجههم بريشة خطوط الزمن، وعدد السنوات ليجعلوا من أنفسهم تُجّار أحلام، بنقودهم يسرقون ضحكات فتيات بعمر الورد لليلة جميلة، تعيد لهم ذكريات الشباب بهمجية ووحشية يمارسون شتى أنواع الوحشية على أجساد اليافعات. فكم من عنف وعنف طال المرأة ليكون أبشعها إهانتها أمام طفلها في شارع عام، أو محل تجاري، أو منزل، وهنا لا حول ولا قوة، كيف لها أن تبرر لطفلها بعيونه الخائفة سبب عدم الرد، وكيف بعد ذلك تستطيع النظر إليه وتأنيبه عن فعل خاطئ، وهي صمتت أمام صوت الظلم الصادح والصاخب، هذا حال الكثير من النساء تحت رحمة ظلم الغربة داخل وطن، فيصبح العنف موروثاً تحمله الأجيال من جيل لجيل، مع فارق بسيط بطريقة توزيعه بينهم ليكون الوريث الشرعي الأكثر حصة ونسبة هو الطفل والمرأة.

العدد 1105 - 01/5/2024