الاشتراكية خيمة الفقراء

وعد حسون نصر:

لعلّ ثورة أكتوبر الاشتراكية هي الحدث التاريخي الذي رسم مصير العالم طوال القرن العشرين، ولم يزل حاضراً في أذهان اليساريين والشيوعيين العرب، رغم الخيبات التي اعترضت نضالهم، خلال العقود الثلاثة الماضية، إثر فقدانهم السند السوفييتي، الذي أسست له تلك الثورة.

ولطالما شكّلت ثورة أكتوبر الروسية مصدر إلهامٍ لليساريين والشيوعيين العرب، منذ الرسالة الشهيرة التي وجهها قائد الثورة البلشفية (فلاديمير إيليتش أوليانوف _ لينين)، إلى مؤتمر شعوب الشرق، المنعقد في باكو، عاصمة جمهورية أذربيجان الاشتراكية. فقد شكّلت الثورة البلشفية رافداً للعديد من حركات التحرر الوطني ذات الإيديولوجية الشيوعية في العالم العربي، وهذا ما تُرجم لاحقاً بتأسيس الأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان ومنها سورية ولبنان.

ممّا لا خلاف عليه أن نشأة الاتحاد السوفييتي كانت بمثابة دعم لكل حركات التحرر، ولعلّ انهياره وفشل ثورة أكتوبر في استمرارية تأثيرها كان بمثابة زلزال مدمّر، وبشكل خاص لليسار العربي، إلاّ أن الحراك الشعبي في العالم العربي خلال هذه المرحلة وما مرّ به من مراحل زهو وتراجع، جعل من تبنَّوا فكر ثورة أكتوبر مجرد حالمين بثورة جديدة تُغيّر عالمهم، مع اليقين باستحالة استنساخ ثورة جديدة، ورغم أنهم يرون أن ثورتهم مازالت حاضرة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه. وممّا لاشكّ فيه أيضاً أن كثيرين من الاشتراكيين العرب وخاصة السوريين اتخذوا من الثورة بمفهومها الاشتراكي، وما تطلبه من مساواة، بمثابة مكسب شخصي بعيداً عن فكرة الواحد للكل، مستفيدين من الكل للواحد فقط، ليكونوا هم في موقع القيادة على أكتاف شعب استبشر بهم لتخليصهم من عبودية البرجوازية وقمعية أصحاب الكراسي، فكانوا هم أشدّ تقييداً وأكثر قمعاً، وهذا ما رأيناه ممّن مثّل الشعب السوري من الاشتراكيين في الخارج خلال حرب الثماني سنوات. لقد كان السعي وراء السلطة هو الهدف، بغضّ النظر عن القتل والتهجير والجوع والفقر، وعن الدم النازف من أجساد فقراء الثورة. ولعلّ الأمر طبيعي، فمن طابت له الإقامة في فنادق خمس نجوم، والدفء يغمر جسده من أسفل قدميه حتى فروة رأسه، ومن يتذوّق أشهى أنواع المأكولات، ومن يقبض بالدولار لا بالليرة، لا بدّ أنه نسي الجوع والقهر السوري رغم أنه يراه على شاشة حاسوبه والمحمول، لكن وعلى ما يبدو لا مجال للإحساس عبر التكنولوجيا والشاشات المُسطّحة، فكان الشعب ضحية أولئك المتسلقين على أكتاف الاشتراكية، ووجد نفسه أمام طرفين ووجهين لعملة واحدة، أحدهما واضح بهيمنته وقمعه، والآخر كان فرو أرنب بمخالب ذئب، وهذا حال مفهوم ثورة أكتوبر عند البعض من جماعة اليسار السوري، وخاصة من مثّل الشعب بحرب الروح قبل الجسد، فمن اعتاد الترف بعد الجوع لا يمكن أن يُطعم من جاع خشية أن يعود إلى الجوع تحت أكتاف هاتفين جُدد باسم الحرية والاشتراكية.

العدد 1105 - 01/5/2024