السرطان… سلاح التدمير الشامل

حسين خليفة: 

السرطان… هذا الغول المرعب، حقيقة لا يذكرني سوى بغول الحكايات الذي لا يقاوم، الغول الذي يظهر من (غائب علمه) فينهش الجسد والروح أيضاً.

كل من عرفتهم وابتلوا بهذا الداء الكارثي لم أستطع أن أقدم لهم الكثير من المواساة والعزاء، فقط عشت معهم ألماً صامتاً وحاداً، لأن لا كلمات تفي هنا بالحالة.

الحديث هنا عما فعلته وتفعله البشرية الواعية، البشرية المسؤولة عن مصيرها ومصير الآخرين، لا البشرية المهووسة باتهام الآخرين، والتنقيب عن نظريات مؤامرة، واتهام الآخرين والتغني بأمجاد الماضي التليد، أقصد نحن طبعاً.

نحن لم ولن نفعل شيئاً في مواجهة هذا الغول، كما لم نفعل شيئاً في كل ما اعترض البشر من كوارث ومنها نحن أيضاً.

لقد قيل الكثير عن قيام ابن مسؤول كبير، في حقبة سابقة، بدفن نفايات نووية في ريفي السلمية وتدمر، وبقي الموضوع سراً غامضاً ككثير من أسرار الجرائم المرتكبة بحق الناس، ولا جدال في أن دفن هذه السموم في أرضنا يزيد من انتشار المرض، مقابل ملايين الدولارات التي دخلت جيوب المجرمين الذين لا وطن لهم سوى المال.

ليس هذا جلداً للذات، ولا مازوشية جمعية، ولا هروباً من قراءة موضوعية للحكاية.

لذلك لا بدّ من الإشارة إلى جهود رائعة لأفراد وجماعات صغيرة محدودة في مجتمعاتنا التي تعيش خارج التاريخ، هؤلاء الناس النبلاء الذين يبذلون كل مستطاع لمساعدة الضحايا، والتوعية بأساليب الوقاية والكشف المبكر عن سرطان الثدي، وكل ذلك بمساعدة الغرب الاستعماري طبعاً ومنظماته الإنسانية.

النقطة الأخرى التي أودّ الوقوف عندها فيما يخص المرض ومحاولات الحدّ منه ومعالجته، هي الاستغلال السياسي والإعلامي للجهود الخيرة والنبيلة التي تقوم بها منظمات وجمعيات وأفراد في سبيل تأمين إمكانات الكشف المبكر على الأرض لملايين النساء اللاتي لا يتاح لهن مادياً أو ثقافياً ومعرفياً التعامل مع هذا المرض ومحاولة اكتشافه مبكراً، تحت تأثير عوامل عديدة أهمها الفقر والأمية والاستهانة بحملات التوعية والإرشاد لطرق الوقاية والكشف.

في شهر تشرين الأول من كل عام تستنفر أجهزة الإعلام والمنظمات الرسمية والشعبية والأهلية لإنجاح حملات التوعية والفحص المجاني على مستوى البلاد، وقد أتيح لي من خلال ردود فعل عديد من النساء على هذه الحملة وحواراتي معهن حول ضرورة أن يتقدمن للفحوصات ويسهمن في إنجاح الحملة على الأقل بالذهاب إلى أقرب مركز للفحص وتشجيع معارفهن على ذلك، لاحظت أن معظم النساء كنَّ يتهيبن الذهاب للفحص في نوع من الهروب إلى الأمام فيما لو كانت لديهن بدايات الإصابة وهي تصيب نسباً عالية من النساء بعد سن الأربعين.

أدعي أن هذه السلبية مردها يعود أولاً وأساساً إلى تخلف الوعي وقصوره عن مواجهة الحقيقة فيما لو كشف الفحص وجود إصابة لديها، والتخلف هو صنو الفقر والحاجة، وهكذا تصبح معركتنا مع السرطان بأنواعه وسرطان الثدي تحديداً هي معركة ضدّ الفقر والجهل، وضد عوامل الإفقار والتجهيل لشرائح واسعة من المجتمع، وهو الدور الذي تمارسه طبقات البرجوازية الهجينة التي تنمو كالفطر على جسد مجتمعاتنا وهي برجوازية مشوهة نشأةً وتكويناً لا تمتُّ إلى البرجوازية الأوربية التي ولدت من رحم العصر الصناعي والتي أسست لعقلانية وعلمنة مجتمعاتها مع كل ما عليها كطبقة مستغِلة.

ومع كل ما قيل، فإن المساهمة الجادة والفاعلة في حملات التوعية والمساعدة في الكشف المبكر هي ضرورة وواجب على كل إنسان واعٍ يحمل بذور الخير والقيم النبيلة، ولا بدّ لكل الفئات الواعية، والنساء خصوصاً، والشباب والشّابات تحديداً، من الانخراط في هذه الحملات ودفعها لأن تصبح على نطاق أوسع باتجاه التجمعات والأحياء والقرى المحرومة والفقيرة والمهمشة.

العدد 1105 - 01/5/2024