مناهضة العنف بزمن العنف

وعد حسون نصر:

الإنسان والإنسانية كانت محض اهتمام العديد من دول الغرب، وبعد فترة من الحروب الطاحنة، كان لابدّ من ضمان حقّ الإنسان في الحياة، واحترام إنسانيته وعدم استغلاله، لذا جاءت شرعة حقوق الإنسان حيث نشأت في العصر الحديث في أوروبا والولايات المتحدة.

لقد كانت هذه الحقوق مشتركة على نحو ما مع القوانين الأخلاقية في مجتمعات العالم، مثلما كانت ذاتها مصدر سلطتها، ويمكن لحقوق الإنسان أن تؤلف نواةً الحقوق الأساسية المشتركة في جميع الثقافات، على الرغم من نظرياتها، التي تبدو ظاهريا متباعدة.

وبالتالي فإن هذه الحقوق موضوعات تحظى بالاتفاق بين الثقافات، ومبدأ حقوق الإنسان يندرج ضمن إطار توافق الآراء المتداخلة لمجموعة من الرؤى العالمية، بما فيها مجتمعنا العربي وخاصة سورية التي صادقت على اتفاقية حقوق الإنسان، ومناهضة العنف ضدّ المرأة، وكذلك اتفاقية حقوق الطفل، ويبقى السؤال: إلى أي حد التزمت سورية  بهذه الاتفاقيات وعملت بها..؟

مازال الواقع مخالفاً تماماً لما تم الاتفاق عليه من رفع الظلم عن الإنسان، إذ للأسف مانزال نرى أن العرف والدين والتقاليد تسيطر على حياتنا ومسارها، مثلما تسيطر على القانون، ومازالت الغالبيّة العظمى ترفض التغيير والمساواة، وتعتبرها نوعاً من الانحلال الخلقي، الذي يدعو إلى انحلال الرابط الأسري، وتمرد الفرد على واقعه ومجتمعه، وخاصة بما يتعلّق بالمرأة وحقها في المساواة.

ومازال الكثير من أطفالنا متسكعين في الطرقات، لا حقوق تحميهم، ولا حروب ترحمهم، ولا اتفاقيات تغيثهم بكلماتها وقوانينها..!! لم يقف الأمر عند الطفل فحسب، بل عند الإنسانية بكاملها، حيث المرأة ماتزال تابعاً، وغير حرٍّ، باتخاذ قرارات تخصها، سواء بتزويج نفسها، أو الميراث، أو حتى حرية التنقل، ووصايتها على أطفالها.

ومانزال نرى الإنسان في بلادنا عبداً لقوانين فرضها هو نفسه على ذاته، وكبّل بها عنقه، وكأنها ملازمة له منذ ولادته لموته..!! لم تكن تلك الاتفاقيات سوى مبرراً لاتخاذ إجراءات، أغراضها الأولى والأساسية لا علاقة لها بحقوق الإنسان في ذاتها، إذ تسعى البلدان القوية إلى مصالحها من خلال هذه الحقوق، وبالتالي هي آلية هيمنة، وليست صك تحريرٍ، وخاصة في مجتمعنا العربي، إذ لا يمكن لبلد ماتزال البعض من نسائه يبجلن الرجال، ويتعاملن مع أنفسهن على أنهن أقلّ من الرجل، فكيف ستطبق حقوق واتفاقيات لحماية المرأة خاصة إن كانت هذه المرأة عدوة نفسها..!!؟

كذلك، مازال الدين هو سيد الأحكام ولا مجال لأي تغييرٍ، لأن أيّ تغييرٍ يعتبر تمرداً على الدين والأعراف، وبالتالي تمرداً على الأخلاق، وهنا لابد أن تتجلى سلطة الدين ضد فسق التغيير..!!

أيضاً الدولة والقانون فوق الجميع، وبالتالي التغيير يعني تمرد على القانون وأنظمة الدولة، وهنا لابد أن يأتي دور القانون في وقف الفوضى لأنه فوق الجميع، لذا لابد لنا أن ندرك أن الاتفاقيات هي قوانين خُطّتْ على ورقٍ، لتُبرم فقط في الخطب على المنابر، من أفواه المثقفين، فتزيد رصيدهم من التصفيق، لكن في الحقيقة وداخل جدران منازلهم هي شعارات للحفظ والإلقاء فقط في الساحات والمحافل.

العدد 1105 - 01/5/2024