لهم حقهم… ولنا حقنا

إيناس ونوس:

في كل عصر يشكِّل الفنَّانون واللَّاعبون والممثلون والإعلاميون وغيرهم من الشَّخصيات العامة نموذجاً يحتذيه الشَّباب والشَّابات، من حيث تقليد المظهر الخارجي أو طريقة الكلام، أو ربما بطريقة المعيشة التي تتبدى لهم من خلال ما يقدِّمه ذاك النموذج، ليتحوَّل إلى ما يسمى موضة العصر.

وتساهم وسائل الاتصال والتَّواصل الموجودة في الانتشار الضَّخم لهذه الموضة مستفيدةً من قدرتها على الوصول لأكبر شريحة ممكنة لاسيما في عصرنا الرَّاهن حيث كثرت وتنوعت وسائل التَّواصل السَّمعي والمرئي والمقروء وغيرها، وباتت في كل بيت…

وبطبيعة الحال لا يقتصر هذا الأمر على مجتمعاتنا وحدها فقط، بل يشمل المجتمعات كلها إنما بنسبٍ مختلفةٍ من قدرة التَّأثير وإمكانية الوصول، إلاّ أن مجتمعاتنا تُعد المتلقِّي الأكبر لهذه الموضة وآثارها بحكم العديد من العوامل التي تعمل عليها شركات ومؤسَّسات مخصَّصة لذلك على المستوى العالمي.

وأحد أهم هذه العوامل هو إبعاد العقل العربي، وعقل أبناء مجتمعات العالم الثَّالث عن التَّفكير بشتى القضايا سواء الدَّاخلية المرتبطة بهم وبأسلوب معيشتهم، أو بالقضايا الكبرى على نطاق العالم برمَّته… من خلال التَّركيز على نماذج محددة بعينها والتَّرويج لها على أنها النَّموذج الخارق الذي يحلم به ويتمناه كل شاب وشابة، فيتم تسليط الضَّوء على جوانب إيجابية معينة وإغفال أخرى قد تكون سلبية إن تمت الإضاءة عليها لن يحقِّق ذاك النموذج الهدف المطلوب منه، مع العلم أنه ومن باب المصداقية الإعلامية يتم نشر وتسليط الضَّوء على بعض النَّماذج التي تقدم خدماتٍ كبيرةً للقضايا الإنسانية كبعض الممثلين/ات العالميين/ات إلا أن نشر مثل هذه الأخبار يتم العمل عليه بحيث لا يأخذ إلاّ بعض الوقت، ليكون كفقاعةٍ تم تداولها لحظاتٍ ثم تختفي كأنها لم تكن، بينما يبقى أثر غيرها أكبر وأعمق ما يؤكِّد أن أهدافاً معينةً يتم العمل والتَّركيز عليها بشكلٍ جاد وبجهودٍ كبيرة، حتى يتمكن من أن يؤتي بنتائجه على الشَّكل المطلوب…

من الطَّبيعي أن تتحوَّل الشَّخصيات العامَّة لملكيةٍ جماعيةٍ عامَّة، وأن تصبح مثالاً يحتذى، وإلاّ ما فائدة ما قدَّمته خلال عملها على مدى سنوات طويلة..؟؟ وهذا ليس بمشكلة، إنما المشكلة تقبع في مدى ترك أنفسنا عرضةً للتأثُّر المبالغ فيه وعدم تقبُّل الرَّأي الآخر الذي يعرض بعضاً من سلبيات تلك النَّماذج ومعارضته واتهامه بشتى الاتهامات، وليس أقلها الغيرة منها أو التَّقليل من قيمتها ومن أهمية ما تقدِّمه، ليتحوِّل وفي كثيرٍ من الأحيان مجرَّد طرح نقاش حولها إلى اقتتالٍ أو خصامٍ أو ربما حربٍ غير معلنة، بين الأطراف المؤيدة والمعارضة لها، وللأسف هذا حال واقعنا في مجتمعاتنا التي اعتادت التَّلقي لكل ما يقدَّم لها دون محاولة التَّفكير وإعمال العقل فيما وراء الأكمة…

لشركات الإنتاج والدِّعاية والتَّسويق ولوسائل الاتصال كلُّ الحق في آليات عملها وبالتَّالي تحقيق أهدافها، إنما أيضاً نحن  جيل الشَّباب.. من يجب أن يكون لنا الحق وعلينا واجب الانتقاء المدروس والمنطقي للنَّماذج التي تستحق أن تحرِّض فينا حلماً نتمنى أن نحققه.

أما على صعيد الحكومات فمن واجبها تجاه رعاياها العمل على الاهتمام بالأجيال الشَّابة منعاً لتركها عرضةً لكلِّ من يعمل على تشويهها والتَّقليل من أهمية وقيمة ما يمكن لها أن تفعله فيما لو أتيح لها المجال الحي والفعَّال والحقيقي.

العدد 1105 - 01/5/2024