عالم الفيس بوك… هوية افتراضية أم حقيقية

حاجة الانتماء لدى الإنسان هي ما دعته لأن يكون كائناً اجتماعياً على مر العصور،وهذا الإنسان هو من تحاصره الحاجات المختلفة المتزايدة في زمن العولمة. فلم يعد الإنسان راضخاً لمجتمع يحاصره بل أصبح هو من يحدد مجتمعه بنفسه ضمن التواصل الكبير المتاح على الإنترنت، من فيس بوك وبرامج الدردشة المختلفة والمتعددة والمنتشرة بكثرة. ودليل ذلك هو انغماس الشباب بالمحادثات على الإنترنت طوال اليوم في غرفهم الخاصة وأثناء وجودهم مع عوائلهم، وحتى عند خروجهم من البيت، وبين أقربائهم وأصدقائهم. وهذا يثبت رغبة هؤلاء في الانتماء إلى عالم اجتماعي يختارونه بأنفسهم مختلف عن مجتمعهم المفروض. ولكن هل هم قادرون على جعله واقعاً يلبي فطرتهم الاجتماعية الرافضة للانطواء والانعزال،أم هو مجرد عالم افتراضي وهروب من المجتمع المفروض الكلاسيكي غير الملبي للحاجة الاجتماعية نفسياً؟

هناك آراء عديدة تصف مواقع التواصل الالكتروني بأنها تقدم هوية افتراضية بحتة،وآراء أخرى تصفها بأنها اندماج بين الهوية الفردية والافتراضية. بينما رأت الاختصاصية في السياسات والشؤون الحكومية في (فيس بوك) إليزابيث ليندر أن موقع التواصل (فيس بوك) هو (عالم واقعي وهوية حقيقية)،خصوصاً أنه يبين نمط تفكير الشخص،ومستواه الثقافي وأسلوب حياته،والكثير من التفاصيل التي تعد واقعية، لا خيالية أو افتراضية. وأضافت إليزابيث ليندر أن ال (فيس بوك) بات من المواقع التي يستخدمها الناس يومياً، وهم يكتبون ويضعون كل المعلومات التي تهمهم، إضافة إلى صورهم الشخصية.

قد يشكل التواصل الإلكتروني هوية حقيقية  لمن يرغب في ذلك، ولمن يقدم نفسه بصورة صادقة. وأن يتطور لعالم واقعي في بعض الأحيان، كعلاقات الصداقة التي تدعم فكرنا وإنسانيتنا، ويتم التواصل خلالها عبر الكلمات والمعلومات والصور والكاميرا. إذ تقول اختصاصية العلاج الشهيرة فرجينيا ساتر: الاتصال هو عملية أخذ وعطاء للمعاني بين شخصين بحيث يمكن أن تكون هذه المعاني هي هذه الكلمات والصور والمعلومات التي لا يحتاج التواصل إلى أكثر منها أحياناً. ومن جهة أخرى لا يمكن أن تكفي، بل يمكن أن تمهد هذه المواقع أيضاً لعلاقات أكثر حميمية، كالحب والزواج وصداقات حميمية أكثر… إلخ، والتي تحتاج إلى معان أخرى أعمق ولقاءات بشرية ولغة الجسد. ففي العصر الحالي قد نتخلى عن لغة الجسد نوعاً ما ضمن علاقات معينة، لكن يصعب ذلك في كل العلاقات الإنسانية. يقول نقاد الفن:إن أعلى الفنون هو المسرح،لأنه مهما عبر الإنسان بالصورة والصوت فإن ذلك لا يغني عن التواصل الحقيقي بين البشر، أي بين بعضهم بعضاً.

قد يكون سبب لجوء الكثيرين لهذه العوالم الافتراضية هو صعوبة التعامل مع الناس، نظراً لاختلاف طباعهم، وقد تكون هذه العوالم اختصرت وقدمت بعداً جديداً للعلاقات الإنسانية التي لا تحتاج إلى حميمية كبيرة. وقد نتوقع حالات وعلاقات عديدة تُقضى عبر هذه المواقع مستقبلاً بما يتناسب مع عصر السرعة، وبالنسبة إلى العلاقات الحميمية، فلا بد لها من تواصل بشري قد تسهله أمور التكنولوجيا، ولكنها لن تعوض عنه أبداً.

العدد 1105 - 01/5/2024