تكهنات بين اليوم وغداً

فيما مضى من مرحلة الاستهلاك إلى الآن، كل يوم يبدأ بمنتجات جديدة وسلع جديدة وتسويق مختلف. في البدايات كانت هونغ كونغ، ومن ثم نيويورك بلد ناطحات السحاب، وطوكيو بلد الروبوتات وعمال المطاعم الآليين. وبعدها باريس بأضوائها، بلد الملائكة والجن كما أسماها أحدهم، وصولاً إلى ماليزيا وشرم الشيخ… والآن دبي. وأما أربيل فهي قيد الإنجاز، وترافق معها البوسنة والهرسك، وصربيا وأفغانستان والشيشان ولبنان. وانهيار المنظومة الاشتراكية وقضية فلسطين اليومية وأحياناً السودان، وأخيراً العراق وبدايةَ الربيع العربي. وكلا الوجهين لعملة واحدة، هي المال، والحرب، والنفط، واقتصاد المواد الأولية، وأهمها الأسلحة ومشتقاتها. ولكنها طبعاً لخدمة الإنسان، إما لغناه أو ترفيهه أو فنائه.

عندما بدأت موجة الصناعات الاستهلاكية استهلت بالسيارات والجينز، ومن ثم المنتجات الصينية، فالكمبيوتر وبعده الخليوي وتلاه الإنترنت وموضة الهبيين والهيب هوب ثم روك أند رول، وصولاً إلى إعادة تفعيل النرجيلة والمقاهي ومطاعم للوجبات السريعة.

في ذلك الوقت بدأت أنا وأحد أصدقائي بالتكهنات اليومية، اليوم الموبايل الفلاني وغداً كذا، اليوم السيارة الفلانية وغداً غيرها، وصولاً إلى (الكرسون) الآلي الذي سيصل قريباً إلينا إذا سنحت الظروف.

الآن وبعد الربيع العربي أصبح الوضع مختلفاً، فانتقلنا من درعا إلى حمص وإلى إدلب فحماة، ودمشق فحلب…… ومن ثم حملات التهجير القسري داخل الوطن وخارجه، وقائمة التكهنات ما زالت مستمرة، فبدل الهمبرغر والنرجيلة، أصبحت تسوق أنواع الأسلحة من كل الأصناف ومن كل الدول، الساسة ينقلبون، ينددون، يشجبون.. المجالس الوطنية وغير الوطنية.. حكومة انتقالية.. أصدقاء سورية…. هيئات مختلفة الاتجاهات والآراء.. ثوار… مجاهدون… يسار… يمين، وطبعاً لا ننسى أنجيلينا جولي والأفلام الأمريكية والفرنسية، وجميع أنواع الإغاثات الدولية ومهرجاناتها مع أو ضد.

أصبحت التكهنات اليوم: أي حارة ستقصف، وأي عشيرة ستجتمع؟ متى سيأتي الخبز والمازوت والشتاء على الأبواب؟ وما هي المواد اللازمة لغدٍ؟ والجيش الحر يصرّح بأنه سيطر على ثلاثة أرباع سورية، والنظام سيطر على ثلاثة أرباع سورية.

تركيا تساعد ثلاثة أرباع سورية، وأوربا تستقبل ثلاثة أرباع سورية، وروسيا تساند ثلاثة ارباع سورية ، لم أعد أعرف إلى كم ثلاثة أرباع تنقسم سورية. ما زلنا نتكهن كما كنا سابقاً، ماذا اليوم وماذا غداً؟ و لا ننسى بعضاً من التخوين والتكفير والاتهام التي أصبحت قوت يومنا، أما الشيء الوحيد الذي لم ولن نستطيع التكهن به فهو: هل ستبقى سورية أم لا ؟

العدد 1105 - 01/5/2024