المبدع… تفكير تلقائي حرّ لا يخضع لنظام

تنوعت التعريفات التي تناولت مفهوم الإبداع، نتيجة لتعدد الاتجاهات والنظريات التي تناولت مفهومهُ وحاولت تفسيره، إذ يعرِض الأدب التربوي ما يزيد على 45 نظرية في الإبداع.كل منها فسرت الإبداع من جانب أو أكثر، وأسهمت في فهم تنظيم الطبيعة المعقدة للإبداع. إذ تعدّ النظريات الأصل والقاعدة التي انطلقت منها حركة الاهتمام بالإبداع، وأهمية تطويرهِ وتدريبهِ عند الأفراد لغايات الوصول إلى الإنتاج المبدع.

وتفسر هذه النظريات الإبداع على أساس الافتراض أن الإنسان لا يلعب دوراً مباشراً في عملية الإبداع، وعلى ذلك فقد ربطت الإبداع بالطبيعة، وفسّرت دور الإلهام والوعي في إنتاج الفكرة الجديدة.ومن النظريات التي ركزت على هذا المنحى:

نظرية الإلهام لأفلاطون: يرى أنه لا يوجد شيء يسمى بالإبداع الشخصي، وإنما يرى أن الإبداع ناتج عن وجود قوة خارجية إلهية تسمى الإلهام.

نظرية أرسطو للإبداع:الذي يعتقد أن عمليات الإبداع تخضع لقوانين الطبيعة، ويُركّز على دور الطبيعة في إنتاج الأعمال الإبداعية، التي قد تحدث تلقائياً أو مصادفة.

نظرية كانت :يرى أن العبقرية تعطي القوانين، الأمر الذي يؤكد علاقة الإبداع بالموهبة والعبقرية، وعدّه تميّزاً طبيعياً، نابعاً من مخيلة الفرد الحرة.

نظرية وراثة البيئة لجالتون: من النظريات البيولوجية، التي تبحث في علاقة الإبداع بالاستعداد الوراثي، وقد عرّف الإبداع بأنه قدرات طبيعية تُستمد من الوراثة.

نظرية فرويد: تعدّ من نظريات التحليل النفسي، وقد أتت بما تحدث عنه أفلاطون ولكن بتسمية أخرى، وقد فسّر فرويد الإبداع على أساس نفسي، بأنهُ يحدث عند الفرد نتيجة لأحلام اليقظة، ويُسمى الحالة التي يتهيأ فيها الفرد باسم اللاشعور، الذي سمّاه أفلاطون بالإلهام.ويعتقد فرويد أن الإنتاج الإبداعي ينبع من تناقض في اللاشعور من الأنا، والأنا الأعلى. وبعامة فإن هذه النظريات القديمة، لا يمكن عدّها نظريات شاملة في تفسيرها ظاهرة الإبداع، فقد تناول هؤلاء العلماء الإبداع على أساس منطقي، كما هو معروف. فإن المنطق قد لا ينسجم دوماً مع الإبداع الذي لا يخضع دائماً لمنطق ونظام معين، بل هو تفكير تلقائي حرّ، ومستقل.

على الرغم من اختلاف إبداعات المبدعين، واختلاف الظروف البيئية المُشكِّلة لشخصياتهم، إلا أن هناك جوانب مشتركة بين المبدعين مثل: الدافعية، والاستقلالية، وحب المغامرة، والطاقة العالية، والحساسية العالية للمشكلات، والقدرة العالية على التخيل، والشخصية القوية والإيجابية، والتكامل مع الذات، والعمل بانسجام كامل مع قدراته وأفكاره، الانجذاب نحو التعقيد، امتلاك روح الدعابة والمرح. ولعلّ أوائل التعريفات للشخص المبدع جاءت موضحة بدقة عند الفيلسوف تورنس  فقد كتب: الشخص المبدع الحقيقي، هو أول من يعطي للموضوع وينتج به، وهو آخر المقلعين والمتراجعين عنه.

وقد ينتج عن القصور في الرعاية السليمة للمبدعين، بعض الخصائص السلبية، منها:العناد، ومقاومة السيطرة، وعدم المبالاة بالتقاليد، والصراحة وقلة المجاملات، والسخرية ، وشرود الذهن، والمزاجية، والعزلة.

وحسب تحليل شخصيات العديد من المبدعين لوحظت خصائص شخصية عديدة، كأن يكون المبدع المولود الأول في الأسرة، أو عانى فقدان أحد الوالدين أو كليهما، كما يُلاحظ أن الأجواء الأسرية للمبدعين مثيرة ومتنوعة وغنية بالخبرات، وتمتّع المبدع بشخصية متميزة منذ الصغر، إذ يمتاز بالكتابة والنشر والإنتاج الثقافي بشتى أنواعه في وقت مبكر، ويتميز بالقدرة على التحكم الذاتي (ضبط الذات).

العدد 1105 - 01/5/2024