التطوع… بوابة المواطنة الصالحة

نشط في الأشهر الآخيرة الكثير من الأعمال التطوعية والورشات التدريبية التي تهدف إلى تنمية الشباب وتثقيفهم ودفعهم لاستغلال أوقاتهم بشكل إيجابي، يعود عليهم بالنفع من ناحية، ومن ناحية أخرى دعماً للمبادرات الشبابية الرائدة والفاعلة لخدمة القطاعات المجتمعية. إضافة إلى تعزيز دور الشباب في المجتمع، ما يسهم في نشر ثقافة التواصل الإيجابي بينهم، فالعمل التطوعي يعمل على تطوير قدرات الشباب ومهاراتهم المهنية والحياتية. ولكن يبقى السؤال: ما الفائدة التي قدمتها هذه الفعاليات التطوعية للمجتمع السوري؟ وما القيمة التي أضافتها؟ فشباب اليوم يعيش عصراً استهلاكياً تعوَّد فيه على الأخذ الدائم، دون أن يقدم أو يضيف شيئاً ولو كان يسيراً. حتى بات لسان حال الكثيرين منهم يقول: (تطوع.. شو فاضين وراضيين أنتو). معتقدين بعدم جدوى القيام بتلك الأعمال التطوعية التي لا عائد مالياً نتيجة المساهمة فيها.

العمل التطوعي هو سلوك حضاري وإنساني يسعى لتقديم خدمة للآخرين ومساعدتهم من دون مقابل، ما يعزز ترابط أفراد المجتمع بمجتمعهم ويقوّي تماسكهم ويعمق أواصر المحبة فيما بينهم. ولهذا ينظر كثير من التربويين وعلماء الاجتماع إلى العمل التطوعي على أنه من أهم الركائز في بناء المجتمعات وتماسكها، لإسهامه في تعزيز روح المواطنة وغرس قيم الانتماء والانضباط السلوكي في نفوس المشاركين على اختلاف أعمارهم، ويمكّنهم من التعبير بحرية مسؤولة عن آرائهم وأفكارهم في مختلف القضايا العامة التي تهم المجتمع. وهو الأمر الذي يعمل على خلق أجيال منفتحة لديها وعي ورؤية واضحة للمساهمة في دفع عجلة التقدم والتنمية. إضافة إلى المشاركة في تحمل المسؤولية تجاه الأسرة والمجتمع والدولة. ومن ثم يمكّنهم فيما بعد من الانخراط في سوق العمل بشكل فاعل. ولا نغفل ارتباط العمل التطوعي بالعمل الإنساني من خلال خدمة الآخر، ومساعدته. فالعمل التطوعي أشبه بالمربي للنشء، لأنه يخلق شخصاً صبوراً متكيفاً مع الظروف على اختلافها، ويعوِّد المواطن أن متعة العطاء دائماً أعظم من الأخذ .

ولكن هذا الأمر يتطلب تضافر جهود عدد من الوزارات والهيئات الشبابية، وعلى رأسها وزارتا التربية والتعليم العالي، وذلك بتضمين قيم العمل التطوعي في المناهج الدراسية وتعزيز التنافسية بين الفعاليات التربوية والعلمية، ما يشجع الطفل أو الشاب على لعب دور إيجابي أكبر تجاه المجتمع، مع ضرورة تطوير القوانين والتشريعات الناظمة للعمل التطوعي بما يكفل إيجاد فرص حقيقية لمشاركة الشباب في اتخاذ القرارات المتصلة بالعمل الاجتماعي، مع تشجيعهم على إيجاد مشاريع خاصة بهم وممارستها لتنمية روح المبادرة لديهم. وبما يلبي الحاجات الأساسية عند المتطوع للإحساس بالحب الإنساني والاحترام والتقدير وتحقيق الذات. ويرنو نحو النهوض بمستقبل واعد من الشباب المنتمي الفاعل والقادر على إحداث تغيير على قيمة العمل التطوعي في منظومة القيم الإنسانية للدولة.

العدد 1105 - 01/5/2024