حماية المستهلك في الأزمات

صادقت الدول على الميثاق الدولي لحقوق المستهلك التي نصت على حق الأمانة، حق الاختيار، حق المعرفة،  حق الاستماع لآرائه، حق التعويض، حق إشباع الحاجات الأساسية، حق التثقيف، حق الحياة في البيئة الصحية. هذا ما استند إليه القانون السوري لحماية المستهلك مؤكداً في المادة 4 منه (أن للمستهلك الحق في الحصول على المنتجات والخدمات التي تحقق الغرض منها، دون إلحاق أي ضرر بمصالحه المادية أو صحته). وأيضاً المادة 29 منه (على جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة المعنية بالمستهلك اتخاذ التدابير والإجراءات لحماية مصالحه من الاحتكار وسيطرة السوق).

وأيضاً هناك تشريعات ومنظومات قانونية يكملها قانون حماية المستهلك تكرس حمايته وتصون حقوقه، مثل قانون التموين والتسعير وقمع الغش والتدليس وقانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون سلامة الغذاء. وأيضاً وجود مجلس استشاري يضم الوزارات والهيئات المالية لحماية المستهلك وجمعية حماية المستهلك، هذه الجهود الجبارة لإنتاج هذه التشريعات والمنظومات القانونية لن تستطع في ظل الأزمة الراهنة حماية المستهلك من تجار الأزمات بممارستهم الاحتكارات الجشعة التي أدت إلى ارتفاع جنوني للمواد الاستهلاكية والخدمية، مما كان له الأثر الأكثر خطورة على المستهلك التي هدفها الربح وجني الثروات الطائلة غير المشروعة على حساب الاقتصاد الوطني والمواطن التي هي أسمى عندهم من أي قضية إنسانية متخلّين عن قيمهم الإنسانية والأخلاقية والوطنية، فكانوا الأداة التي تحرك السوق في ظل غياب شبه تام للحكومة وجمعية حماية المستهلك.

وذلك باعتراف وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من عدم جدوى لأي آليات للسيطرة على الأسعار وضبط الأسواق، مما جعل المستهلك ضحية عاجز عن تدبير أموره لانخفاض قوته الشرائية انخفاضاً كبيراً، وخاصة لأصحاب الدخل المحدود وتحول من مستهلك إلى مشاهد يمتع ناظريه فقط التي تعج بما لذ وطاب مع جرو خجول للمؤسسات الاستهلاكية التي تقوم بتأمين المواد الأساسية الضرورية بدعم من الحكومة ونتيجة انفلات السوق وعدم السيطرة على الأسعار، جعل هذه القوانين والتشريعات التي تحمي المستهلك حبراً على ورق. فخطاب الحكومة اقترن بأفعال غير جدية تلامس هموم المواطن بتأمين حاجياته وإلقاء المسؤولية على الأحداث الراهنة، مما زاد من عناء المستهلك بفقدان المواد الأساسية في الأسواق النظامية وتوافرها في السوق السوداء التي تنم عن سلطة فساد كبيرة تعبث بحاجيات المواطن. وبما أن حماية المستهلك ليست تشريعات وإنما ثقافة عمل وتفعيل للقوانين تقع على عاتق الجميع كان لابد من استنباط فعال وجدي للجهات الرقابية وانخراط كل الوزارات في حماية المستهلك والاعتماد على مديرية حماية المستهلك والجمعيات الأهلية والإعلام المؤثر في العملية برمتها وتفعيل دور المؤسسات الاستهلاكية والخزن والتسويق لتساهم بتخفيض الأسعار. وكانت الحاجة أم الاختراع في هذه الأزمة.

العدد 1105 - 01/5/2024