حقوق الوالدين في القانون السوري

الأسرة هي اللبنة الأولى في تكوين المجتمع فقد حث المشرع والقانون والدستور السوري على بناء الأسرة، وهذا ما جاء في المادة 20 من مشروع الدستور (الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوي أواصرها). وبين المشرع حقوق أفرادها وواجباتهم، وكفل الدستور في المادة 22: (المواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة). وعدَّ القانون السوري (أي لفظ يمس شعور الوالدين أو يسيء إلى مكانتهما من قبيل الذم) منصوص عنها بالمادة 568 قانون عقوبات، وأيضاً عاقب على تسييب الولد القاصر والعاجز.

فالشيخوخة مرحلة قاسية وصعبة في حياة الإنسان لما يعانيه من عجز ومرض وفقدان العاطفة والشعور بأنه عالة على الآخرين. وبحكم أن المسن يكون أباً وأماً فقد حضت النصوص القرآنية والشرائع السماوية على التعامل معهم بإحسان والكلمة الطيبة، فبرّ الوالدين فرض واجب وعقوقهما حرام من الكبائر. فظاهرة عقوق الوالدين بازدياد مستمر بسبب العولمة التي ساهمت في تغيير منظومة الأخلاق باختفاء الحدود بين الآباء والأبناء. وهذا ما رصدته هيئة حقوق الإنسان، ويتمثل ذلك في التخلي عن الوالدين في دور العجزة أو بمنزل خاص بهم أو تركهم في الشوارع للتخلص من خدمتهم بعد أن تقدم بهم العمر وفتكت بهم الأمراض، على الرغم من صدور القانون 42 بإحداث الهيئة السورية لشؤون الأسرة.

فقضية عقوق الوالدين قضية خطيرة مؤثرة لما يلحق الوالدين من أذى (سب، شتم، ضرب، قتل) يتجرد الابن فيها من أخلاقه ودينه وأغلبها يمر دون عقاب لاعتبارات اجتماعية مع العلم أن الأبوين باستطاعتهما اللجوء إلى المحاكم لتقديم شكوى. لكن غريزة الحب والخوف من نظرات المجتمع تمنعهم. وهذا يفسر عدم وجود هذه الدعوى أمام المحاكم السورية فهي غير مألوفة بمحاكمنا، وذلك بسبب الهفوات والثغرات في التشريعات والقوانين الوضعية جعلتها غير صارمة لمواجهة الإجحاف بحق الوالدين، فلا يوجد تنظيم قانوني لعقوق الوالدين على الرغم من ثبوته شرعاً، ووجود فصل في قانون العقوبات المسمى (الجرائم التي تمس الأسرة).  وهذا يؤكد حاجة المجتمع السوري إلى قانون يعزز ترابط الأسرة ووحدتها ويحوي على تعريف عقوق الوالدين وينصف الآباء والأمهات ويحدد الإطار العام المتعلق بحمايتهم والتكفل بهم والنص على عقوبات جزائية مشددة وبعدم التساهل أو التسامح والتغاضي عنها. فعلى الدولة التصدي لهذه القضية لحماية منظومة الأسرة من الأمراض الاجتماعية التي دفعت الأبناء للتخلي عن أوليائهم وتدعيم أسس الاستقرار الاجتماعي من خلال تشريع وتنظيم مختلف التدابير والنشاطات لصالح الأسرة وردع كل أشكال التخلي والعنف وسوء المعاملة والإقصاء من الوسط الأسري والاجتماعي. فنحن بحاجة إلى تغيير ثقافة المجتمع فيما يتعلق بالمسنين فهم ليسوا عبئاً، وليسوا أشخاصاً انتهى دورهم، بل هم أفراد منتجون قادرون على أداء دور كبير في الأسرة والمجتمع: (من علمني حرفاً كنت له عبداً، فكيف بمن علمني ورباني)؟

العدد 1105 - 01/5/2024