الرئيس الأسد: لا أحد قادر على إنهاء الأزمة إلا أبناء الوطن بأنفسهم وأيديهم

ألقى السيد الرئيس بشار الأسد كلمة خلال تشاركه عشية ليلة القدر طعام الإفطار مع فعاليات المجتمع السوري. و(النور) تنشر مقتطفات وافية منها:

أوضح الرئيس الأسد أن شهر رمضان هو شهر للمغفرة والرحمة والتواصل والتضحية والفداء والجهاد بالمعنى الصحيح، أي جهاد العمل والإنجاز والبناء والمحبة، ونلخصه بأنه شهر لإصلاح الإنسان والنفس والجسد.. والنفس والجسد هما كالفرد والمجتمع لا يمكن أن يصلح أحدهما من دون إصلاح الآخر، فمعافاة المجتمع هي من سلامة الفرد، وقوة الفرد من صلاح المجتمع، فإذا أردنا أن نصلح المجتمع، لابد لنا من الحوار بين أفراده وأطيافه، ولكي يكون هذا الحوار مفيداً ومثمراً وله معنى وجوهر، لا بد أن يكون حواراً صريحاً وشفافاً.

وأضاف الرئيس الأسد: إذاً علينا أن نرى الأمور بعينين، لكي تكون الرؤية ثلاثية الأبعاد، ونحن نستطيع أن نتحدث كثيراً عن أشياء مرتبطة بالأزمة التي تمر بها سورية، ولكن أنا دائماً أنطلق من الأسئلة التي تطرح في الشارع، سواء معي مباشرة أو أسمعها بشكل غير مباشر عبر أشخاص آخرين، ولكن أعتقد بأننا نستطيع أن نختصر ونلخص كل هذه الأسئلة بسؤال وحيد كان يطرح منذ الأيام الأولى، بل ربما الساعات الأولى للأزمة في سورية، وهذا السؤال كان: متى تنتهي الأزمة؟! وهو يختصر كل شيء آخر، ولكن نحن لا نستطيع أن نحدد متى تنتهي إن لم نكن قادرين على تحديد من ينهيها أولاً، وهذا يعني أنه يجب أن نعرف من هو المسؤول عن إنهائها وكيف.. وبعدها يأتي سؤال متى.

وتابع الرئيس الأسد: لنبدأ بالتسلسل المنطقي، فمن ينهي الأزمة هو نحن السوريون.. لا أحد آخر قادر على إنهائها إلا أبناء هذا الوطن بأنفسهم وأيديهم.. صحيح أن العوامل الخارجية قوية ومؤثرة، وكلنا الآن يعرف هذه الحقيقة، ولكن دور الخارج مهما اشتد فهو دور مساعد أو معرقل.. يسرع الحل أو يطيل أمد الأزمة، وهذا الدور الخارجي كما تحدثنا مراراً وتكراراً يعتمد على الثغرات الموجودة لدينا في سورية.

وأضاف الرئيس الأسد: أعود وأؤكد أن هؤلاء لم يوجدوا تلك الحاضنات عن قصد أو دراية، بل عن قلة معرفة، ولكن في النهاية نحن من يتحمل مسؤولية كل ذلك كمجتمع، وفي النهاية الدولة جزء من المجتمع ولكن المجتمع هو المظلة الأكبر، وهذا لا يعني أنني ألوم المجتمع وأنفي المسؤولية عن الدولة.. لا.. أنا أقول إننا كلنا الآن كأعضاء في بيت واحد هو البيت السوري نتحمل المسؤولية مع تفاوت المسؤوليات بحسب موقع كل واحد فينا.

وأضاف الرئيس الأسد: بكل بساطة وبكل مرونة وبكل براغماتية وبكل الوسائل الممكنة، إذا كان المطلوب الخروج من أزمة وطنية تؤثر على الجميع سلباً وتدمّر الوطن، فلا يوجد استثناءات لأي وسيلة يمكن أن تساعدنا في الخروج من هذه الأزمة، وأنا أقول كلاماً مطلقاً، لذلك هذا ما اتبعناه منذ بداية الأزمة.

وأضاف الرئيس الأسد: إذاً بالرغم من معرفتنا بالنوايا الحقيقية التي تقف خلف كل هذه الطروحات كنا مرنين.. ليس سذاجة ولم يكن لدينا أوهام، لكن أولاً لأننا نؤمن بالعمل السياسي.. هذه قناعة لكن بشرط أن تكون النوايا التي تقف خلف العمل السياسي هي نوايا صادقة، ولا ننكر أن عدداً من الدول التي ساهمت في هذه المبادرات كان لديها المصداقية ولديها الرغبة الصادقة بأن يكون هناك حل، ولكن لم تتمكن من ترجمة هذه المصداقية على الواقع.. أيضاً التجاوب مع كل هذه المبادرات كان ضرورياً للمساعدة في جلي الحقيقة الغائبة عن ذهن ورؤية بعض السوريين الذين كانوا يعتقدون بأن العمل السياسي هو الحل السياسي والعمل السياسي يختلف عن الحل.

وتابع الرئيس الأسد: الحل موضوع آخر.. الحل موضوع أشمل من العمل السياسي ربما يكون العمل السياسي مساعداً في الحل، ولكن هو ليس حلاً هو جزء من الحل، فكان التعامل السوري مع هذه المبادرات ضرورياً لإجلاء الحقيقة بالنسبة للمواطنين السوريين المغرر بهم أو المخدوعين.

وتابع الرئيس الأسد: إذاً المعطيات كانت معاكسة تماماً ومع الوقت، أدت هذه المبادرات والتعامل السوري معها، إلى فضح تلك الدول ومسؤوليها، وسقطت الأقنعة بشكل كامل، وظهر بأن من كان يقول إن الدولة السورية تبنت الحل الأمني هو من تبنى المسار الإرهابي من أجل تدمير سورية فقط، ولا أعتقد أن هناك إنساناً عاقلاً يعتقد بأن الإرهاب يعالج بالسياسة، ربما يكون للسياسة دور في التعامل مع الإرهاب قبل أن ينشأ.. يعني الوقاية من الإرهاب أو منع ظهور الإرهاب يمكن أن يتم من خلال السياسة.. من خلال الإعلام والثقافة.. من خلال التربية.. من خلال الحوار.. من خلال التنمية الاقتصادية والخدمات.. هناك أساليب كثيرة، أما بعد أن يظهر الإرهاب ويبدأ بالتخريب والقتل والتدمير وينتشر، فلا حل مع الإرهاب سوى أن يضرب بيد من حديد.

وقال الرئيس الأسد: إن الأهم من ذلك أن الإرهاب والسياسة هما نقيضان بشكل كامل، لا يمكن أن يكون هناك عمل سياسي وتقدم على المسارات السياسية والإرهاب يضرب في كل مكان، فلا بد من ضرب الإرهاب لكي تتحرك السياسة بشكل صحيح.. هذا لا يمنع أن يكون هناك مسار مواز.. إذا كنا نضرب الإرهاب وهناك مسار سياسي يسير بالتوازي لا يوجد مانع، من دون أن يكون هذا مبرراً للتوقف عن مكافحة الإرهاب.

وقال الرئيس الأسد: أعود وأؤكد مرة أخرى أنني لا أحب الحديث الإنشائي ولا المبالغات.. أنا شخص علمي وأحب الحديث من خلال الواقع.. ما قامت به القوات المسلحة أقرب إلى المستحيل، فهذه المؤسسة بنيت منذ الاستقلال وخاصة بعد نشوء إسرائيل بناء على جبهة محددة وبطول وعمق معين وجغرافيا معينة، وهي بنت بنيتها القتالية، ووضعت تكتيكها واستراتيجيتها وتسليحها من أجل خوض معركة من نوع محدد مع هذا العدو، وفجأة وجدت نفسها في مواجهة شيء مختلف تماماً عما تعرفه وعن أي شيء واجهته أي دولة وأي جيش ربما في عصرنا الحديث، فكان المطلوب منها أن تقوم بعملية تأقلم سريعة في ظروف الحرب.

وأوضح الرئيس الأسد أن أصعب شيء هو أن نغير البنى في ظروف المعركة، ومع ذلك تمكنت القوات المسلحة من القيام بهذا الشيء ببراعة كبيرة وبنجاح باهر، وتمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة في هذا المجال.

وأوضح الرئيس الأسد أن التسامح هو مع من غرر به وليس مع من ارتكب أعمال قتل وسفك دماء وإرهاب وغيرها، وبالطبع الكثير من السوريين وخاصة ممن عانى من الإرهاب لم يكن مع هذه النقطة في البدايات، لأنه كان يعتقد بأن في هذا تشجيعاً للإرهابيين، ولكن بعد هذه الفترة الطويلة للأزمة، أستطيع أن أقول إن هذا التسامح أعطى نتائج جيدة على الواقع.. هي ليست نتائج مطلقة.. دائماً هناك شخص يعود للانحراف وإلى مكانه اللاوطني، ولكن النسبة الأكبر عادت إلى مكانها الصحيح والطبيعي.

وأضاف الرئيس الأسد: الخير سيأتينا منكم أيها السوريون.. الخير سيأتينا من السوريين المنتمين لوطنهم الملتزمين بدينهم مسلمين ومسيحيين، الواعين والعارفين والمؤمنين بأن الأديان أو الشرائع، إنما أنزلت لهدف وحيد، هو أن تجعل حياتنا أفضل، وعندما لا تتمكن الأديان أو الشرائع من أن تجعلها.. على العكس ربما تجعلها أسوأ.. فالمشكلة فينا كبشر وليست بالدين ولا في الشرائع التي أنزلت علينا.

العدد 1105 - 01/5/2024