النجمات يعشن بيننا

في بحثنا الدائم عن نساء متميزات في مجتمعنا نركّز على نوعية معينة من النساء، وهن سيدات الأعمال البارزات أو العالمات أو الباحثات، بمواصفات مسبقة وهي التفوق الاقتصادي أو العلمي، لنعثر بينهن على نجمةٍ مميزة تضيء سماء مجتمعنا. ونبقى ندور في ذلك الفلك نلمّع تلك النجوم ونفتخر بهن، تلك العالمة أو المخترعة أو المبدعة، التي لا يمكن الوصول إليها بسهولة، متجاهلين النجوم التي تعيش بيننا في حياتنا العادية. فلا نلحظ تميّزها بسبب ما وضعناه من قواعد وشروط مسبقة عن صفات المتميزات..وبكل تأكيد لن يتوقع أولئك النساء اللواتي نراهن كل يوم يتحدين الصعاب التي يواجهنها بأنهن متميزات. بكل تأكيد لن تتوقع تلك السيدة المسنّة التي التقطت صورتها أمام بسطة الكتب على مقربة من قلعة دمشق وهي تتناول أحد الكتب تقرؤه بشغف أنها ستشغل صفحات الفيس بوك  ووسائل الإعلام الأخرى لأيام. فما كانت تقوم به هو عمل عادي بنظرها، لكنه على الرغم من ذلك شغل قرّاء كثيرين نظراً لما تميّزت به بهذا العمر المتقدّم، تحمل كتاباً تناولته من بسطة الكتب لتقرأ باستمتاع يلهيها عن الكاميرا ومن حولها من المارّة.

لن تتوقع تلك السيدة الريفية التي بترت إحدى يديها والتي تذهب إلى عملها كل صباح وتعود فتتابع عملها اليومي المنزلي، إضافة إلى العبء الإضافي المتعلق بأعمال المرأة الريفية في البستان من سقاية الزرع، وإطعام الدواجن، والمونة الموسمية، كالمكدوس و دق الحنطة وصناعة الخل والمربيات وأنواع الشراب المختلفة وغير ذلك من تفاصيل الحياة اليومية والاحتياجات اليومية التي تلبيها المرأة، باعتبار أن ذلك عملاً عادياً. إنها متميزة  ونجمةً تستحقّ التحفيز والإشارة إلى عملها والإضاءة عليه لأنه ركيزة أساسية في بناء المجتمع الذي يبدأ من تلك التفاصيل اليومية في حياتنا، ولا تحتاج إلى كل الرتوش والمسميات والشهادات العلمية والعناوين الكبيرة. أولئك النساء المتميزات يعشن بيننا ونحادثهن كل يوم، إنها هذه التي  تشطف درج البناية، وتلك التي تبيع في سوق الهال، وهذه التي نراها كل يوم تبحث عمن يشتري منها أعمالها اليدوية من حلي أو كنزات صوفية. إنها المرأة العاملة التي توازن بين وظيفتها وبيتها وأولادها، وتعيش حياتها باعتياد كأنما كل ما تفعله عادي، وتمرّ أمامنا مروراً عادياً أيضاً. إنها الإنسانة التي تقاوم العادات البالية وتدافع عن حقوقها وتقف بوجه الصعاب، إنها كل امرأة تغيّر واقعها بعملها وقوتها بنفسها، هذه هي المميزة  والنجمة التي يجب الإضاءة على عملها مهما كان صغيراً بعيداً عن القواعد الخشبية التي نضعها في تعريفنا للتميّز والتفوّق.

العدد 1105 - 01/5/2024