من الصحافة العربية العدد 591

سقوط الإخوان واستنقاذ مصر والإسلام

حَكَمَ الإخوان المسلمون مصر، بمصادفة قدرية، لمدة عام كامل فكان كافياً لسقوطهم من المستقبل السياسي لمصر خاصة، وربما في العالم الإسلامي جميعاً، ولو بعد حين، كما تدل تصريحات الخيبة والمرارة بل القهر التي أطلقها كبار المسؤولين الأتراك، على سبيل المثال، وهم يشهدون سقوط مَن أُعطُوا ملكاً فلم يحسنوا سياسته فخلعهم.

لم يكن هذا السقوط المدوي مفاجئاً لمن تابع  بالدهشة بل بالاستغراب  تصرف الإخوان كسلطة، بعد سلسلة من المصادفات القدرية التي رفعتهم إلى سدتها في لحظة ملتبسة، وبعد مسلسل من الخيانات والمخادعات لأهل (الميدان) الذين كانوا عماد الثورة ووقودها والذين استقبلوهم فيه متخطين الاشتباه بصدق الشراكة والريبة في التزامهم بإكمال المسيرة معاً حتى إسقاط (نظام الطغيان).

لقد أخذت الإخوان العزة بالإثم إلى التآمر، بداية مع المجلس العسكري، والتواطؤ على شباب الميدان عبر مجموعة من الحيل الدستورية، ثم عبر المخادعة ومحاولة الإيقاع بين (القوى الشريكة)، وأخيراً عبر استبعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوي بعدما استخدموه سلماً واستقووا به للوصول إلى السدة.

وعندما تمكنوا خادعوا (حلفاء الضرورة) فمنوهم بالمشاركة، وحاولوا إيقاع الفتنة بينهم، ثم تقدموا لاسترضائهم بجوائز رخيصة كانوا يعرفون أن شباب الميدان والشركاء في الصمود سيرفضونها، وبذلك تُلقى الحجة عليهم: (عرضنا عليهم فأبوا واستكبروا).

على أن الأخطر أن العزة بالإثم قد أخذتهم  أيضاً  إلى احتكار الإسلام، فعدوا (جماعتهم) الممثل الشرعي والوحيد للدين الحنيف، أولاً في مصر، ثم في الوطن العربي جميعاً، بل وعلى مستوى الكون  بالاتكاء على تركيا أردوغان والباكستان وعبر التسليم بقيادة التنظيم الدولي للإخوان وبين رموزه الشيخ القرضاوي  علماً بأن مصر قد اشتُهرت عبر تاريخها بأن فيها (ديناً ولا تعصّب)، على عكس ما هو سائد في المشرق العربي خاصة.

لقد تصرفوا وكأنهم يمتحنون المصريين في إسلامهم، تمهيداً وتبريراً لنهجهم في احتكار السلطة على قاعدة (نحن الإسلام كله، ومَن كان خارجنا فليس منا وليس منه)… وهكذا ابتدعوا دستوراً جديداً يؤكد هذا المنحى، مما أدى إلى خروج (الشركاء) من لجنة إعداده، وبعد ذلك اندفعوا يستولون على مراكز القرار وعلى المواقع القيادية في الإدارة ممّا خرّبها وعطّل مصالح الناس وأثار النقمة… ومع ذلك لم ينتبهوا إلى تعاظم النقمة الشعبية وتحوّلها إلى رفض لهيمنتهم.

ثم إنهم قد كشفوا عن نقص في الكفاءة القيادية، ثم إنهم تسرّعوا في فضح تلهفهم على نيل الرضا الأمريكي مباشرة أو عبر العدو الإسرائيلي… بل لقد ارتكب الرئيس الإخواني خطيئة قاتلة حين كاتب رئيس الكيان الإسرائيلي شيمون بيريز مستخدماً عبارات من النفاق بل الذل الذي تأباه كرامة الشعب المصري.

وفي ما خص الأمريكيين فقد كشف الحكم الإخواني أن صلاته بواشنطن قديمة، ولكنها كانت عادية، فعيّن موفدين خصوصيين لهذا الغرض.. وكان (الخط مفتوحاً) دائماً بين الطرفين.

ليس بالإمكان حصر الخطايا والأخطاء، سواء مع السعودية ودول الخليج، أم مع إيران، ولا مع روسيا والصين، والتي ارتكبها (رئيس الخيبة) الدكتور محمد مرسي.

يمكن هنا التنبيه إلى أن هذا الرئيس الإخواني قد سجل الرقم القياسي في سرعة السقوط، وفي التسبّب في خسارة مصر مكانتها، وفي إهانة شعبها العظيم الذي أنجز واحدة من أعظم الثورات في التاريخ الإنساني… بغير أن نغفل (الإنجازات) المميزة التي حققتها قيادات الصف الأول في الإخوان.

على أنه ربما يجب التوجه إليه وإليهم مجتمعين بالشكر الجزيل أنهم قد أنجزوا، خلال سنة واحدة مهمة جليلة هي: إعلان سقوط الإخوان كقوة سياسية مؤهلة لأن تحكم أي بلد فكيف بمصر بكل تاريخها المميز وبشرف دورها في أمتها العربية وفي محيطها الإفريقي والدولي عموماً.

لقد وصل الإخوان إلى السلطة في مصر بغير استحقاق.. ولقد تكرّموا فأنهَوا أسطورتهم وادعاءاتهم بالقدرة على الإنجاز في أسرع مما تصوّر أشد خصومهم، ثم إنهم قد حرّروا الإسلام من ادعائهم أنهم ممثلوه الشرعيون الوحيدون، ليس في مصر وحدها بل حيثما وُجد مسلمون.

إن سقوط الإخوان، بل إسقاطهم، يُنهي أسطورتهم، ويُسقط ادعاءهم احتكار الإسلام الذي يستعصي على احتكارهم.

ثم إن سقوطهم قد أكد خروجهم على الإسلام عبر مجزرة الكنائس والأديرة، وتقصّد إلحاق الأذى بشركائهم في الوطن وفي الإيمان: أقباط مصر.

إن هذا السقوط لا يحرّر مصر فقط، بل يحرّر الدين الحنيف من الصورة الرديئة التي حاولوا أن يحبسوه فيها. ومع الأسف على الدماء التي تطلّبها إسقاط أسطورة الإخوان، فإن هذا السقوط قد أعاد فتح باب الأمل لا أمام مصر وحدها، بل أمام الأمة جميعاً، بأنها جديرة بأن تصنع مستقبلها بإرادتها الحرة وبكفاءات أبنائها واستعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس من أجل غدها الأفضل.

… وطبيعي أن المخاض سيكون طويلاً للعودة من الماضي الذي حاول الإخوان إرجاع مصر  والعرب  إليه إلى الغد الأفضل الذي تطمح إليه مصر والأمة، وقد أثبت المصريون، مرة أخرى، أنهم جديرون به.

طلال سلمان

(السفير)، 15/8/2013

 

عندما يزورنا ماكين

لا يتفاءل العرب كثيراً بطلاّت السيناتور جون ماكين. الطيار السابق لم يلق سلاحه منذ كان يقصف الشعب الفيتنامي. زادته الجرائم الإنسانية في فيتنام قوة. ما زال يرى الولايات المتحدة منقذاً للبشرية. مهمتها نشر القيم الديمقراطية، حتى لو اضطرت إلى إبادة الشعوب المتوحشة. القيم الأمريكية أهم من الإنسان، خصوصاً إذا كانت تخدم مصالح واشنطن.

جون ماكين يهب لإنقاذ الحلفاء. لا يتورع عن الذهاب إلى الأمكنة الخطرة. من ليبيا، حيث دعم الثوار، إلى شمال لبنان حيث اطلع على الاستعدادات العملية لاقتحام سورية. ومنها إلى الشمال السوري حيث شد أزر الجماعات المسلحة. جماعات (القاعدة) و(النصرة) و(الجيش الحر) وعشرات الأسماء الأخرى. وتعهد للجميع بالضغط على البيت الأبيض لإقامة منطقة عازلة (لحماية الثوار وتحويلها إلى قاعدة انطلاق باتجاه دمشق لإسقاط الديكتاتورية وإقامة الدولة الديمقراطية الوطنية العادلة).

ليس من خصال ماكين ترك الحلفاء وقت الأزمات. ها هو ذا يهب لنجدة (الإخوان المسلمين) في مصر. ومعه هذه المرة زميله ليندسي غراهام. الرجلان لا يتدخلان في شؤون مصر. لكنهما أبلغا قائد (الانقلاب) عبد الفتاح السيسي، أنهما حالا دون قرار بقطع المساعدات العسكرية عن الجيش. كان تهديدهما واضحاً: إما الموافقة على عودة الإخوان وتسليم الحكم إلى الشعب أو قطع المساعدات. وكي يكون كلامهما أكثر وضوحاً، علّ أحداً لم يفهمه، أضافا أنهما يمثلان الكونغرس. لكن زيارتهما القاهرة كانت بالتنسيق مع البيت الأبيض. أي أن الإدارة مع الإخوان ضد الجيش وليس الكونغرس وحده.

حجة ماكين أن الشعب اختار الإخوان، ويجب احترام إرادته. حجة ديمقراطية صحيحة إذا اعتبرنا الديمقراطية مجرد صندوقة اقتراع. لكن ماذا عن إرادة عشرات الملايين الذين تظاهروا ضد ممارسات الإخوان خلال سنة من حكمهم، آخذين عليهم أخونة المؤسسات، صغيرها والكبير؟ وماذا عن سياساتهم الخارجية وهي امتداد لسياسة الحكم السابق؟

واقع الأمر أن الديمقراطية وإرادة الشعوب آخر همّ واشنطن. هذا ما أكدته الأحداث، من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط، من دون أن ننسى إفريقيا وآسيا. والسيد ماكين خير من يمثل هذا التوجه ويسعى إلى بلورته كلما أتيحت له الفرصة. و(الربيع العربي) أتاح له فرصاً ذهبية لن يفوّتها.

لا ينسى أي عربي، مؤيداً للسياسة الأمريكية أو معارضاً لها، أن الهم الأساسي للبيت الأبيض والكونغرس في الشرق الأوسط هو ضمان أمن إسرائيل. وهذا ليس تكهناً أو تحليلاً فكل تصريحات المسؤولين الأمريكيين تؤكد ذلك، وكل (وساطة) يضطلع بها شيوخ الكونغرس أو البيت الأبيض تصب في هذا الاتجاه. لا فرق بين الديمقراطيين والجمهوريين. ومن يخرج عن هذا السياق ينبذ. ليست مصادفة أن يختار وزير الخارجية جون كيري السفير مارتن أنديك مساعداً له لإحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وقد كرس الرجل حياته كلها لخدمة الصهيونية وإسرائيل، وقصة اللوبي وحصوله على الجنسية الأمريكية وتعيينه سفيراً في تل أبيب في عهد كلينتون معروفة للجميع. وجون ماكين لا يقل عنه شأناً في هذا المجال. كان من أشد المؤيدين لتدمير العراق. ومن أكثر المتحمسين لتدمير ليبيا. ومن الداعين إلى ضرب سورية. والمحرضين على غزو إسرائيل لبنان. يتمسك بالقدس عاصمة للدولة اليهودية. ووساطته في مصر لا تخرج عن هذا السياق. لكنه فشل. وكلما فشل زاد تمسكاً بمواقفه.

في زيارته القاهرة ودفاعه عن الرئيس المخلوع ألقى ماكين على الإخوان شبهة التنسيق مع إسرائيل. هل هي مجرد شبهة؟

مصطفى زين

(الحياة)، السبت 10 /8/2013

العدد 1104 - 24/4/2024