حماية الملكية العقارية

في خضم الظروف الصعبة التي يعانيها أفراد المجتمع يتخوّف الكثيرون من ضياع أملاكهم العقارية، فالبيت ربما هدم أو نالته قذيفة أو تغيّرت معالم الحارة والمنطقة كلّها فكيف لهم أن يثبتوا ملكهم..

فإن عدنا إلى البداية أمكننا القول إن حق الملكية قد برز بوصفه أول وأهم الحقوق الأساسية التي عُنيت بها الدولة من حيث تنظيمه وضبط نطاقه وكيفية استعماله وحمايته، وأكده إعلان حقوق الإنسان: (حق الملكية حق مقدس لا يجوز المساس به)، وضمنه قانون العقوبات. وينطلق المشرع في تنظيمه لهذا الحق بتحديد مصادر اكتسابه، فقد جاء في القانون السوري أسباب اكتساب وانتقال الملكية في المادة 826 (يكتسب حق التسجل في السجل العقاري للأسباب الآتية: الإرث، الهبات في ما بين الأحياء، أو بالوصية والاستيلاء وبالتقادم المكتسب وبالعقد). وهي أسباب تملك الشخص ملكية معترف بها قانوناً.

وصدر نظام السجل العقاري بالقرار رقم 188 ل.ر لعام ،1926 ليكون دعامة أساسية لإثبات الملكية العقارية واستقرار المعاملات العقارية، لتمتعها بحجية كاملة. فمن يكتسب حقاً استناداً إلى هذه القيود لا يجوز منازعته فيه، فهو نظام محكم من حيث ترتيبه وحجيته، لأنه يخصص كل عقار بصفحة يثبت فيها كل ما يرد على العقار من حقوق واجبة الشهر. فالقيد في السجل العقاري هو قرينة على الملكية دون سواه. وارتفاع تسجيل العقارات في السجل دليل واضح على النهضة العقارية، ودليل على صحة توجه الدولة نحو تشجيع الاستثمار العقاري باعتباره قاطرة النمو الاقتصادي المستدام، وكأحد الإيرادات المهمة لتنوع مصادر الدخل القومي.  ومع هذه الترسانة التشريعية التي تضمن حماية الملكية العقارية جاءت الأزمة السورية لتكشف سوء الوضع العقاري والوضع الإنساني، فقد تعرضت أملاك السوريين في مناطق التوتر للضياع، وضياع كل ما يوثق ملكيتهم ويمنع التلاعب بها. وهنا برزت مشكلة إثبات ملكية العقارات، وخاصة مناطق السكن العشوائي. فالنظامي له سجلات عقارية وبيانات ملكية، أما السكن العشوائي فليس له قيود عقارية. فلا بد من الاعتماد على الشهود وعلى السجلات الأمنية الموجودة لدى فروع الأمن على اختلاف أنواعها لضمان الحيازة وضمان حقوق الملكية. إذ تمتاز هذه السجلات بالدقة والموضوعية، ولتعويض أصحابها في حال تنظيم هذه المناطق على أسس سليمة وعلى أسس عقارية جديدة غير مرتبطة بما كانت عليه قبل الأزمة. وهي إحدى قواعد بدء إعادة الإعمار لإنجاز الخريطة الوطنية للسكن العشوائي. فالدور الأمني مهم وكذلك التعاون فيما بينه وبين الإدارة خصوصاً في تحديد من كان يقطن تلك الأماكن المدمرة، فلا أحد في تلك المناطق يمكن له أن يثبت ملكيته، ولا سيما أن سجلات المخاتير وسجلات كاتب العدل في تلك المناطق كانت الهدف الأول للتخريب. فلا بد من مساعدة السكان بما لدى السجلات الأمنية من إثبات إقامتهم في تلك المناطق. فالحل في تنظيم المناطق العشوائية وأتمتة السجل العقاري ونقلها من الورق إلى أنظمة رقمية، ولاسيما في ظل الظروف الراهنة، حفاظاً على الصحائف العقارية ووثائقها وحقوق المواطنين، لتخفيف مأساة المواطنين، فـ (رب ضارة نافعة).

العدد 1105 - 01/5/2024