«خمس كاميرات مكسورة»… فلسطيني ينافس على أوسكار أفضل فيلم وثائقي طويل

يشارك الفيلم الفلسطيني (خمس كاميرات مكسورة) للمخرج عماد برناط في الحفل الخامس والثمانين لتوزيع جوائز (أوسكار) في مدينة لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي ستعلن فيه يوم الأحد (24 شباط فبراير) أسماء الفائزين.

وفي هذه الدورة يخوض الفيلمان الفلسطيني (خمس كاميرات مكسورة)، و(الإسرائيلي) (حراس البوابة) المنافسة على جائزة (أوسكار) لأفضل فيلم وثائقي هذا العام، من بين خمسة أفلام عالمية مشاركة.

ويخوض الفيلمان سباقاً فنياً، لكن محتواهما يفيض بالجوانب السياسية، إذ يسبر الفيلم (الإسرائيلي) أغوار جهاز الأمن الداخلي (الإسرائيلي) (شين بيت)، بينما يجسد الفيلم الفلسطيني معاناة الفلسطينيين واحتجاجاتهم ضد بناء الجدار والمستوطنات بقرية بلعين بالضفة الغربية.

كما تتنافس على هذه الجائزة ثلاثة أفلام وثائقية أخرى، وهي فيلم (كيف تنجو من الوباء) الذي يتناول طرق النجاة من مرض الإيدز، وفيلم (الحرب الخفية) الذي يتناول حوادث الاغتصاب في صفوف العسكريين، وفيلم (البحث عن شوجرمان) الذي يتناول حياة مغن شعبي أمريكي لمع نجمه، وأصبح رمزاً للغناء بجنوب إفريقيا.

أنتج الفيلم الفلسطيني بميزانية صغيرة، وهو عبارة عن مشاهد صورها عماد برناط على مدى خمس سنوات لتوثيق احتجاجات أسبوعية في قرية (بلعين – الضفّة الغربية) على استيلاء المستوطنين اليهود وقوات الاحتلال الصهيوني على أراض في الضفة الغربية المحتلة.

وقد غاص عماد برناط برفقة ناشط سلام (إسرائيلي) يدعى غي دفيدي يعمل في مجال السينما، في بلدة الأول (بلعين – الضفّة الغربية) بحثاً في أساليب عيش أناس يقارعون جدار الفصل العنصري بحراك سلميّ. أناس فلاّحون (على قدر متواضع من الثقافة والتعليم)، لكنهم شرسون في تعلّقهم بأرضهم وبلدتهم وحياتهم.

وقد تولى برناط في فيلمه (خمس كاميرات مكسورة)، توثيق المسيرات الأسبوعية والاجتياحات التي تقوم بها قوات الاحتلال، والاعتقالات التي طاولت أبناء القرية، وبينها أشقاؤه، ومواجهة الصدور العارية لرصاصات الاحتلال، التي حطمت كاميراته أحياناً، وطاولته مرات أخرى، إلى درجة أنه كاد يفقد حياته، وتعرض للاعتقال، والإبعاد القسري عن القرية.

 

رحلة الخمس كاميرات ..

في أول تجربة سينمائية له، يربط برناط بين ولادة ابنه جبريل، وبين رحلة أهالي (بلعين) في مقاومة الجدار، والتي باتت ليس فقط مزاراً لمتضامنين أجانب و(إسرائيليين) كان أحدهم من ساعده في إنتاج الفيلم، بل صارت مثالاً يحتذى للمقاومة الشعبية الفلسطينية الخلاقة والمبدعة في أفكارها وابتكاراتها التي طالما أثارت حفيظة الاحتلال.

وخلال رحلة الخمس كاميرات التي تعرضت جميعها للكسر لأسباب مختلفة، يقف الاحتلال وجنوده خلفها في نهاية المطاف. وفي هذه الرحلة سلط برناط في خطين متوازيين الضوء على المعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال، والممارسات العنصرية لهذا الاحتلال، وانعكاساتها على الفلسطيني صاحب الأرض، غير مخف التحولات التي طاولت أسرته، بوساطة الربط الدرامي ما بين ولده الذي كبر سريعاً، على وقع الاجتياحات، والاعتقالات، وكأنه رضع الرصاص والغاز المسيل للدموع. يقول صاحب الفيلم: (يرصد العمل حكاية سبع سنوات من نضالات أهالي بلعين المستمرة ضد جدار الفصل العنصري الذي اغتصبت سلطات الاحتلال وقواته لأجل إقامته أهالي سكان القرية… كنت أحرص على توثيق ما يحصل في بلعين منذ عام ،2005 وخلال مسيرتي التصويرية كسرت لي خمس كاميرات بإطلاق النار المباشر أو غير المباشر عليّ من جنود الاحتلال، أو نتيجة اعتداءات المستوطنين. وفي الوقت ذاته كنت أوثق مسيرة حياة ابني جبريل الذي ولد في تلك الفترة، ومن هنا جاءت فكرة الفيلم للخروج بفيلم إنساني يخاطب عقول الناس وقلوبهم في كل أنحاء العالم).

 

فيلم فلسطيني بامتياز ..

الفيلم من إنتاج عام ،2011 وكان العرض الأول له في مهرجان أمستردام السينمائي حيث حصل على (جائزة الجمهور)، تلتها جائزة مهرجان (صن دانس)، ليواصل حصد أكثر من ثلاثين جائزة قبل ترشحه إلى (أوسكار) أفضل فيلم وثائقي، وفق ما أكد برناط في أكثر من حوار معه. وأشار إلى أن (الإنجاز الأهم ما قدمه الفيلم من صور جديدة، وحكايات جديدة غيرت ولو بشكل بسيط الصورة النمطية السائدة في الغرب عن الفلسطينيين). وأضاف: (إنه أمر مهم جداً بالنسبة إليّ أن أكون هنا للمشاركة بحفل (أوسكارات)، وللتحدّث عن هذا الفيلم، لأن هذا اليوم تاريخيّ لفلسطين).

جدير بالذكر أن مشاركة الناشط (الإسرائيلي) غي دافيدي في إخراج الفيلم، أدت إلى أن يصنفه البعض على إنه إنتاج (إسرائيلي)، ولذلك رفضت إدارة مهرجان سينمائي مغربي عرضه. غير أن برناط يبين أن المنتج المساعد (الإسرائيلي) دافيدي هو بالأساس ناشط ومتضامن (إسرائيلي) أتى إلى القرية للتضامن والمشاركة في المسيرات ضد الاحتلال وضد الجدار، وهو يؤمن بالحقوق الفلسطينية وبالقضية الفلسطينية. فالفكرة هي عمل الفيلم (من وجهة نظر فلسطينية.. وجهة نظري أنا.. ومن خلال تجربتي الشخصية).

يضيف برناط: (عرض الفيلم في إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط)، نافياً أن اشتراك دافيدي في إخراجه يمثل شكلاً من أشكال التطبيع مع (إسرائيل). وقد استهجن المخرج الفلسطيني تصريحات سفير الكيان الصهيوني في واشنطن باعتبار الفيلم (إسرائيلياً)، وقال: (هذا فيلم فلسطيني بامتياز، وأستهجن هذه التصريحات التي تحاول وصفه بـ(الإسرائيلي)، في محاولة لتشويه هذا المجهود الذي هاجمته في مراحل مختلفة جهاتٌ (إسرائيلية)، قبل محاولات البعض سرقة الفيلم ليكون إسرائيلياً. وهذا ليس غريباً فهم سرقوا فلسطين بأكملها، لافتاً إلى أن الترشح للأفلام الوثائقية يكون باسم الفيلم والقائمين عليه، وليس باسم الدولة)، مضيفاً: (التعاون مع دافيدي وهو متضامن (إسرائيلي) مع بلعين والقضية الفلسطينية، جاء في مرحلة الإنتاج، بخاصة بعد عدم نجاحي في الحصول على تمويل لإنتاج الفيلم من قبل مؤسسات فلسطينية وعربية… كل ما يهمني خروج الفيلم إلى النور، ونشره في العالم لتقديم القضية الفلسطينية بواسطة السينما. وقلتُها بوضوح بأن الفيلم إذا قُدّم باسم (إسرائيل) فسأسحبه من الأوسكار، لأنه فلسطيني بامتياز، وهذا ما قلته في وسائل إعلام فلسطينية وعربية وأجنبية وحتى (إسرائيلية)).

العدد 1105 - 01/5/2024