قانون العمل الجديد لم يلبِّ احتياجات العامل

تطور فكر حقوق الإنسان من الحقوق الفردية والمدنية والسياسية، إلى الاعتراف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي ساهم في صنع الإنسان الواعي ومن ثم القادر على ممارسة جميع حقوقه. وهناك اتفاق دولي حول مجموعة الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، أهمها حق العمل، فهو عنصر جوهري من عناصر هذه الحقوق. وقد نصت المادة 40 من الدستور السوري على أن:

أ_ العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال.

فحق العمل يستند إلى مدى التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، ولتحقيق عيش كريم يؤمن الاكتفاء الذاتي وإشباع الحاجات الضرورية والأساسية، وما يؤسسه من شعور بالمشاركة الاجتماعية وشعور الفرد بالذات، والمساهمة في بناء المجتمع ويحميه من العبودية.

فقد جاء قانون العمل رقم (17) لعام 2010 ملبياً حاجات السوق، ويحترم الاتفاقات الموقعة بين سورية ومنظمات العمل الدولية. فقد شرع لأسباب إنسانية واجتماعية ولبناء بنية سليمة للعمل تتمثل في الحماية للعمال، لأنهم الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية. فقد تضمن العديد من المزايا للعمال، إذ يلتزم أصحاب العمل بتشميل العمال بالتأمينات الاجتماعية، وتوثيق عقود العمل، وعدم فرض الاستقالات المسبقة، ومنح العمال زيادة دورية في الرواتب، وإعطاء المرأة حقوق الحصول على إجازة الأمومة، وزيادة مدة الإجازات السنوية والوفاة والزواج، وتوفير الصحة والسلامة المهنية، وعزز مبدأ تكافؤ الفرص. ونقل الاختصاص من لجان التسريح إلى محاكم البداية ذات التشكيلة الخاصة.

وما إن دخل هذا القانون حيز التنفيذ حتى تكشفت سلبياته وتناقض مواده. فالمادة 64 تجيز تسريح العامل من عمله بشكل مفاجئ دون مساءلة، في حالات معينة، لقاء تعويض مادي. والمادة 65 أجازت إنهاء عقد العمل وفق شروط، دون تحديد أي تعويض. والمادة 95 تركت تقدير الزيادة لرب العمل. والمادة 24 فقرة (أ) و(ب) المتعلقة بإجازة الأمومة ترهق العاملة وتدفعها إلى التخلي عن عملها دون تعويض. والمشكلة الأبرز التي أضرت بحقوق العمال هي المحاكم العمالية التي حفزت على تسريح العمال لعدم وجود رادع لمخالفتها، وذلك بسبب نمط تشكيلها من قاض وممثل عن العمال وممثل عن رب العمل، وتهرب أحد أطراف المحكمة عن الحضور دون أي إلزام قضائي لضرورة الحضور والوجود عند انعقاد أي جلسة قضائية يؤجل الجلسات.

إن أسلوب التقاضي تبعاً للقانون الجديد ألزم العامل بأن يرفع دعواه أمام المحكمة العمالية ذات التشكيل الخاص، وفقاً للمادة 204 و،205 وهذا يتطلب مخاصمة رب العمل أمام المحكمة المختصة الموجودة في مركز المحافظة، وليس مكان إقامة العامل أو مركز العمل. وهذا أدى إلى زيادة المصاريف لضرورة الحضور عند انعقاد أي جلسة قضائية، وأيضاً نفقات توكيل محام. لأن التداعي أمام محكمة البداية، عدا الجهل بطبيعة  المحكمة وماهيتها. وهذا ما يؤثر سلباً، فيتراجع العامل عن إقامة دعواه وخاصة البعيدة عن مركز المحافظة. وقد كانت محكمة الصلح هي صاحبة الاختصاص المحلي التي تقع في مركز إقامة العامل أو مركز عمله والمنتشرة في جميع المناطق السورية.

والأحداث الاستثنائية التي تمر بها سورية حالت دون تطبيق القانون على أرض الواقع. والقانون بحاجة إلى تعديل لتوفير حماية أكبر للعمال. وتتحقق الحماية بأن يكون مجلس الشعب خالٍ من حيتان النفوذ والمال، ومنع سياسة الخصخصة التي ساهمت في زيادة معدل البطالة، وتركيز الرساميل بأيدي أصحاب النفوذ، مما ساهم في استغلال حاجة العامل إلى العمل. تكريس سياسة التعليم والتدريب المهني وحملات التوعية لحقوق العمال وواجباتهم.

 

العدد 1105 - 01/5/2024