الأزمة دمرت أملاكهم وسرقت أحلامهم

هربوا من العنف الدائر في البلاد مخلفين وراءهم ما بقي من أملاك مدمرة وبقايا أحلام سرقها عنف عاث فساداً في البشر والحجر.

هربوا من العنف وانتشروا في أصقاع الأرض بحثاً عن حياة آمنة ليجدوا أنفسهم أمام معاناة جديدة فرضها الواقع الجديد. فقد انعكست الظروف المعيشة والأوضاع الاقتصادية لهذه البلاد على المهاجرين والنازحين السوريين، فوقعوا في مطب البطالة واللغة والسكن وغيره من المعوقات التي سرقت أحلام شبابنا وكبلت طموحهم بقيود مجتمعات جديدة، في وقت وصلت فيه أعداد اللاجئين السوريين في الداخل، حسب بعض التقارير، إلى أكثر من أربعة ملايين شخص نصفهم من الأطفال، وفي الخارج قرابة المليونين.

عن أوضاع السوريين في الخارج تحدثت (النور) إلى عدد منهم للتعرف على أوضاعهم المعيشية والمعوقات التي تواجههم. فالآنسة رنا (33عاماً) التي سافرت إلى ألمانيا منذ ثمانية شهور في وقت مفاجئ ودون تخطيط مسبق، قالت: (مازلت أعاني من فوضى في الحياة بسبب السفر المفاجئ)، وفيما يتعلق بالصعوبات التي تواجهها أكدت أنه تعلم اللغة أولاً، وإيجاد عمل ثانياً.

وأشارت إلى أن التأقلم في البداية كان صعباً، وخاصة أنه مجتمع يختلف في الكثير من عاداته وتقاليده عما ألفناه في بلادنا. ولكن سرعان ما تمكنت من الاندماج، وهو ما انعكس على شخصيتي في نواحٍ عديدة. ولكن لم يحدث تغير في حياتي لأني مازلت عاطلة عن العمل، إلا تغير وحيد أنني تمكنت من تحقيق حلمي بالسفر والتعرف على حضارات وثقافات جديدة.

أما السيد عاهد (42عاماً) الذي انتقل إلى مصر منذ بداية العام الحالي بعد أن اضطر لإغلاق معهده في سورية، مثله مثل غيره من السوريين، فهو يقيم في بلاد الكنانة ولا يجد عملاً، وحتى إذا وجد عملاً يكون الراتب قليلاً لا يكفي إيجار السكن.

ويتفق معه في الرأي المدرس فراس (32عاماً) المقيم في القاهرة، والذي أكد أن أغلب المواطنين السوريين في مصر عاطلون عن العمل، فهم خرجوا من سورية إلى مصر وغيرها من الدول ووجدوا أنفسهم أمام مستقبل غامض وبدون مصدر دخل. وفيما يتعلق بالعمل قال فراس: (حالياً أعطي دروساً في اللغة العربية، ولكن المردود من ذلك أقل من  أن يكفي).

وأشار فراس إلى أن هناك فئتين من السوريين لجؤوا إلى مصر: الأولى فئة رجال الأعمال وميسوري الحال، وهؤلاء ليس لديهم مشاكل في الإقامة وتحمل تكاليف الحياة مهما ارتفعت. أما الفئة الثانية فهم من الطبقة الوسطى وذوو الدخل المحدود الذين وصلوا إلى مصر وغيرها وهؤلاء يعيشون على المساعدات الشعبية التي تقدم لهم ويقبلون العمل برواتب زهيدة، بينما تقبل الأغلبية منهم على المهن اليدوية.

أما فادي الذي يعمل محاسباً فقد سافر إلى الإمارات بعد أن قرر رب عمله نقل مشروعه إلى هناك، ورأى فادي في ذلك فرصة للفرار من جحيم القذائف التي تنهال على منطقة سكنه كل يوم، فسافر مع مديره ليحط رحاله في دبي، ويقول: (ضماني لعمل سهَّل عليَّ الكثير، لكني أعرف كثيرين مازالوا في رحلة البحث عن عمل ولو بأجر بسيط). وأضاف: (إنَّ الحياة هنا ليست بالسهلة أبداً، وخاصة أنني اضطررت لأن أترك زوجتي وطفلتي في دمشق).

وعلى النقيض من ذلك سافر رامي (35عاماً) إلى السويد لاجئاً، بعد أن ضاقت به سبل الحياة في سورية، إذ خسر منزله في حمص ومتجره الذي أراد أن يبدأ به حياته في دمشق. وأكد أن الحياة في أوربا ولو كنت لاجئاً أفضل بكثير من أوضاع اللاجئين السوريين في المخيمات. فهم يفتقرون لأبسط الأمور في الحياة. وأكد رامي أن أخاه محمد الذي يعيش حالياً في لبنان لعدم تمكنه من الحصول على فيزا، ما اضطره للمشاركة في غرفة مع أربعة شبان يتقاسمون فيها تكاليف الحياة المرتفعة جداً، في بلد يعاني في الأساس من بطالة مرتفعة ووضع اقتصادي غير مستقر.

وقال: (يعمل محمد حالياً بضعة أيام في الشهر في تنظيف وإصلاح الأمور البسيطة، مقابل مبلغ من المال لا يكفيه شيئاً، وعلى الرغم من ذلك فوضعه أفضل من كثيرين يفترشون الطرقات والحدائق).

قصص كثيرة رواها أصحابها بحسرة وغصة على فقدان إخوة لهم وأحلام رافقتهم، لكنها تحطمت عند حاجز العنف.. قصص كثيرة يعيشها شبابنا في الخارج، منهم من تمكن من التأقلم ووجد عملاً، ومنهم مازال يرزح من عبء النزوح ككثيرين يضطرون لدفع مبالغ مالية لقاء حيز صغير في خيمة نصبت في دولة عربية (شقيقة) فتحنا أبوابنا لاستقبال أبنائها مراراً.

ختاماً نأمل أن يعم الخير والسلام بلاد الشمس سورية، ويسود الأمن والأمان، ليعود شبابنا وشاباتنا إلى ديارهم ويساهموا في بناء سورية المتقدمة ديمقراطياً.

العدد 1105 - 01/5/2024