قنوات الأطفال وتخريب المستقبل

أطفالنا الذين يعيشون اليوم واقعاً يرسخ الرفض والتهميش وإقصاء الآخر المختلف، ويتعرضون للعنف بجميع أشكاله، المباشر منه وغير المباشر، باتوا بركاناً خامداً سينفجر في المستقبل لندفع ثمنه ما لم ننتبه إليه الآن.

ثمّة ظاهرة مخيفة تستهدف عقول الأطفال، تنتشر بصمت وتؤسس بهدوء لعصر جديد بطريقتها وبأسلوبها الخاص، دون أن تلفت النظر إليها أو أن يلتفت إليها أحد في ظل الصراعات الكبرى والأحداث الدموية. إنّها فضائيّات الأطفال الدينية، المتنوعة بتنوع أديان الممولين والقائمين عليها ومذاهبهم. تلك القنوات لا تكرس احترام هذا التنوع والاختلاف، بقدر ما تزيد الشرخ الحاصل في المجتمع، وتؤسس لزمن قادم سيجعل ما يحدث الآن رغم كل سوئه زمناً نترحم عليه.

فنتيجة للأوضاع المأسوية الراهنة، وافتقار الأطفال إلى أماكن لعب آمنة، عدا  ندرة النوادي الموسيقية والرياضية والترفيهية أصلاً، وقلة الوعي بضرورة انتشار ثقافة خاصة بالأطفال، بات الأطفال محاصرين بين جدران المنازل خوفاً عليهم، تخنقهم الأخبار المخيفة والأحاديث المتوترة، ويلقنون الأفكار وتفرض عليهم القناعات، وكثيراً ما يتم إقحامهم بما  يجب أن لا يقحموا فيه، ولأن المناهج الدراسية وسياسات التعليم وجدت لخدمة أغراض متنوعة آخرها الطفولة، فقد جاءت كالحة، كئيبة، غير مطابقة للإمكانات أو للواقع.

لكل هذه الأسباب مجتمعة ولغيرها، أصبح التلفزيون هو الملاذ الوحيد للملايين من أطفالنا المنقوصي حقوق الطفولة، وإن تابع كثير من الأطفال الأخبار وبرامج ومسلسلات الكبار، إلا أن الآثار السلبية لذلك لا تقل سوءاً عن متابعة معظم قنوات الأطفال المتخصصة، ذلك أنّ التخصص هنا ليس بالتركيز على تقديم برامج الأطفال ومخاطبتهم بشكل مباشر، وإنما تخصصها وفقاً لدين أو مذهب، فهناك قنوات أطفال سنية، وأخرى شيعية وقنوات مسلمة وقنوات مسيحية…إلخ.

قد يقول قائل إنه لا ضرر من  تعليم الأطفال أصول الدين، وتلقينهم التربية والأخلاق الدينية، إلا أن المتابع بدقة لمضمون الكثير من برامج تلك الفضائيات يلحظ السباق المحموم بين مستثمري هذه القنوات في التأثير على عقول الأطفال، وبناء وعيهم، وبالتالي تقسيمهم، دينياً وطائفياً. وإن كل ما يجري لا يمكن وصفه إلا بصب السم في الدسم لزيادة تكريس الرفض والتهميش لكل مختلف، وقد نصل إلى أخطر من هذا، في ظل تربية العقول الصغيرة على فكرة التدين والتكفير.

لا ينقص هذا المجتمع قنابل موقوتة تصنع على مرأى ومسمع منه، فالقادم في ظل ما يتم بناؤه في عقول الأطفال أخطر بكثير مما نعانيه الآن.

لن يكون الحل إلا بتوفير بدائل حقيقية وجادة تعمل على ترسيخ أفكار المواطنة وحقوق الطفل والإنسان، وتقبّل الآخر والتعرف على الاختلافات بين الناس واحترامها، ولكن من المؤسف أن القنوات الحكومية والقائمين عليها لم يكونوا أصلاً مهتمين بهذا، والآن هم منشغلون بقضايا هي، في نظرهم، من الأهمية بحيث يصبح التفكير ببرامج الأطفال ترفاً غير مقبول، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة!.

العدد 1105 - 01/5/2024